«الجزيرة» - كتب:
أصدر الأستاذ: محمد بن عبدالله الحسيني، كتابه: «الشيخ عبدالله الحسيني أول مندوب لتعليم البنات في المنطقة الوسطى بالمملكة العربية السعودية»، الذي تتبع فيه سيرة والده: الشيخ: عبدالله الحسيني، أحد أبرز رواد حركة التعليم في المملكة، ويقع هذا الكتاب في 120 صفحة من القطع المتوسط، وطبع طباعة فاخرة على ورق ملون حيث اشتمل على صور تدعم فكرة الكتاب، وهو من تقديم علامة الجزيرة الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وشمل ثمانية وثلاثين بابًا تتبع فيها المؤلف سيرة عبدالله الحسيني، ويندرج هذا الكتاب ضمن نطاق السيرة الغيرية، وفكرة الكتاب كما يذكرها المؤلف محمد الحسيني الذي يقول: فكرة الكتاب:
«بعد الموافقة على طلب الوالد -حفظه الله- بالتقاعد المبكر، وتفرغه لأعماله الخاصة حاول معه الكثير من المحبين لتدوين مذكراته ونشرها، وكان يعتذر، وبعد إلحاح مني اكتفى بإجراء بعض المقابلات الصحفية، والمشاركة بمقالات للمناسبات الوطنية، وبعد زيارتنا لصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، تساءل سموه بعد سماعه لبعض الذكريات، هل تم تدوينها في كتاب لأهميتها..؟ فأجبت سموه بالعزم على ذلك موجهاً نظري إلى الوالد، ومن هنا كانت البداية».
ويسرد الحسيني أسفل عنوان: من أحاديث الذكريات، معلومات مهمة عن والده وعمّا عايشه في فترة تاريخ التعليم، حيث يقول: «لقد حدثني والدي -حفظه الله- بقوله: عايشت بحمد الله وشكره هذه المرحلة من عمري؛ فرأيت الآن ما وصلت إليه المرأة السعودية في ظل التعليم الذي حفظ لها خصوصيتها بأقصى ما يقدر عليه المسؤولون؛ بوضع مناهج مدروسة، وتعاقب الرقابة على التعليم والمعلمة.. وانتقاء المدرسات كفاية علمية وعملية: قائما على هذه الكفاية بعد التحري عن سيرتهن من جهة الورع والتقوى.. لقد وصلت المرأة في ظل التعليم السعودي إلى ما يقرب من ارتفاع الأمية.. عايشتُ هذا الواقع بحمد الله؛ فأسعدني ذلك، وهان علي كل ما المني في حينه من تألب البعض علي كأنني مندوب سوء، ولم أكن مندوب ولي أمر المسلمين الذي قيد الإذن بتعليم البنات بإشراف مباشر من سماحة المفتي محمد بن إبراهيم الله تعالى، وباختيار المسؤولين عن التعليم إدارة أو تدريسا من جهة التدين والكفاية العلمية، والكفاية في توصيل العلم، مع ما أسلفته من رقابة ومناهج تعليمية، والحيلولة دون الاختلاط المحرم.. لقد هان علي خطر إنذار أحد الأهالي الفضلاء بقوله لي: « إن الملا يأتمرون بك؛ ليقتلوك»؛ وإنما عظم ذلك في وجداني؛ لأنه تضحية وجهاد مقدس بعد أن انبلجت الأمور بما وصل إليه تعليم البنات من خير عميم في مملكتنا السعودية (معقل الإسلام والمسلمين والعروبة الصميمة بهمومها ومكوناتها الشرعية).. هذه مشاعر والدي التي أحملها للقارئ بكل أمانة، وهذه بعض من ذكريات والدي، الشيخ عابد الحسيني والدي، ولكلّها أهمية عنده وعندي.. ولكن الدافع لذكر هذه الذكريات هو ما عاناه لما كان أول مندوب لافتتاح مدرسة بإحدى المناطق لتعليم البنات.. ولقد طلبت من والدي نبذة عن حياته؛ فأكون أول من يستضيء بها؛ فأملى علي -حفظه الله – هذا الموجز فقال: ولذت في (شقراء) عام 1350هـ، ثم واصلت دراستي حتى حصلت على المرحلتين المتوسطة والثانوية عن طريق (المنازل)، وعملت معلم في مدرسة القويعية الابتدائية عام 1370هـ، ومكثت بها ست سنوات، ثم انتقلت بعد ذلك مديراً لدار الأيتام بشقراء عام 1376هـ منذ افتتاحها إلى أن ضمت إلى دار الأيتام بالطائف، ثم عملت مساعداً لمدير دار الأيتام بالطائف، ثم باشرت عملي بمحكمة شقراء مدة ثلاث سنوات منذ مطلع عـام 1378هـ، وفي عام 1381 هـ انتقلتُ في عملي إلى تعليم البنات مندوبا لتعليم البنات بشقراء..وقمت ضمن لجنة بافتتاح عدد من مدارس البنات في كل من المجمعة والرس وحائل، و كلفت من رئاسة تعليم البنات مندوبا لافتتاح مدرستي البنات بشقراء والزلفي، وعملت مفتشا في رئاسة تعليم البنات بالمنطقة الشرقية بالدمام، ثم انتقلت إلى المدينة المنورة مديراً عام التعليم البنات، وكان يتبعها مدن تبوك وينبع والساحل الغربي الشمالي، ثم انتقلت إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى عام 1405هـ عندما رغبت في طلب التقاعد المبكر، والله الموفق والمعين.
ومن إسهامات الوالد في الصحافة ( مع أنه لا يعد نفسه صحفيا محترفا إلا أنه غير منفصل عن هموم أمته قراءة فقط؛ أو قراءة وكتابة بلمحة عاجلة )، ومن آخر إسهاماته مشاركته في امتنان الأمة لعاصفة الحزم التي جسدت الحزم الذي يتمتع به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان؛ لأنه يعمل بصمت وصبر إلى أن كسب النصر بإذن الله ثم بتماسك الأمة العربية.. ومساهمة الوالد في هذه المناسبة رأيتها وثيقة عدل، وشاهد حق في حق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حينما كان أميراً لمنطقة الرياض، وهذا نصها من مجلة اليمامة في الملف الخاص بهذه المناسبة من العدد (2357) مايو 2015م: بعنوان «الملك سلمان.. حازم رحيم بأهله وشعبه »: «عندما قرأت كغيري من الناس الأخبار المتداولة عن (عاصفة الحزم) و(إعادة الأمل) عادت بي الذاكرة إلى أكثر من خمسين عاماً حيث تشرفت حينها بمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله للمرة الأولى في حياتي في وقت عصيب بالنسبة لي؛ فقد كنت وقتها مندوبا لتعليم البنات، ولم تكن الأجواء متقبلة تعليم الفتاة في ذلك الوقت كوقتنا الحاضر، في عام 1383 هـ تم تكليفي بالذهاب وأنا بالرياض إلى إحدى بلاد وطننا الغالي لافتتاح أول مندوبية لتعليم البنات هناك؛ ففوجئت برفض كثير من الأهالي لافتتاح المدرسة، وحدث أن قام أحد المجتهدين - وما كل مجتهد مصيب بعد صلاة الجمعة خطيبا فيهم متوعداً بأنهم لو ارتضوا تعليم بناتهم فإنهم كمن يرضى لهن الخزي والعار!!.. وتعرضت وقتها للاعتداء والتهديد بإهدار دمي؛ فعدت إلى الرياض سالما بقدرة الله عز وجل، وطلبت مقابلة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان حينها؛ فوافق مشكوراً، وشرحت له كل ما حدث موضحاً أني دخلت البلدة غريبا وخرجت غريبا، ولا أعرف أحداً باسمه، ورجوته سلمه الله أن يتم اختيار شخص آخر لإكمال المهمة؛ نظراً لظروفي الخاصة؛ وكان من حكمته -حفظه الله- وسداد رأيه، وبعد نظره: أن يوافق على إرسال زميل آخر مع قوة خاصة؛ لإتمام المهمة، ولردع من يؤلب الناس على فتح المدرسة.. ولقد كتمتُ كثيراً مما جرى كي لا يفسر الأمر بأنني عدت لأنتقم ممن آذوني؛ فيكون في النفوس ما يحول دون التعاون الكامل بيننا لصالح البلاد والعباد.. ثم كان قراره - حفظه الله - الأكثر حكمة؛ وهو الفتح الإجباري للمدرسة، ثم ترك الحرية في التسجيل بها أو عدمه وفق ما يراه أولياء الطالبات أو على الرغم من صغر سنه آنذاك إلا أما رأيته من حكمة في التصرف منه، ونفاذ البصيرة: كان يتعدى أضعاف عمره بكثير؛ فقد رأى أن الصمت على ما حدث من شأنه اهتزاز هيبة الدولة في نفوس الناس، كما أن الرد بعنف تأباه العلاقة الجيدة القوية بين الدولة ومواطنيها، كما أن النكوص عن تعليم البنات ليس في صالح البلاد على المدى القريب ولا البعيد لأن حق المرأة في التعليم كحق الرجل تمام طالما كان الأمر متفق مع الشريعة الإسلامية، ولا يتعارض مع العادات والتقاليد المألوفة في كل مجتمع أمين مع دين ربه.. ثم كان لي الشرف مرة ثانية أن ألتقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ابن عبدالعزيز بعد مرور قرابة أربعين عاما على تلك الأحداث.
ووقتها تأكدت من حرصه -حفظه الله - على المواطنين، وإنزالهم منازلهم ومنحهم الأولوية؛ فقد تزامن طلب تلك المقابلة هذه المرة مع وجود شخصيتين مهمتين في الرياض هما الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش) والرئيس الفرنسي السابق (نيكولا ساركوزي)، وعلى الرغم من الترتيبات الكبرى التي تشهدها مثل تلك اللقاءات، وانشغال الجميع بها: إلا أن الملك سلمان بن عبدالعزيز كان يستقبل المواطنين بمكتبه بالإمارة، ويلبي مطالبهم.. وقد كنت يومها واحداً من الذين تشرفوا بمقابلته، وكان محدداً لنا عشر دقائق فقط؛ لازدحام جدول الزيارات.. إلا أن المقابلة الكريمة استمرت قرابة ساعة كاملة، وكان ذهن الملك حاضراً؛ فتذكر الأحداث التي أعدت قصها عليه وكأنها حدثت بالأمس القريب، وكان بشوشا منصتا بكل جوارحه كأن لا شيء يشغله.. وعندما انتهيت أردت أن أطلب شيئا؛ فنظر إلي كمن يقول: (اسأل تعط).. فقلت: إنني فقط أريد أن أتشرف بدعوتكم سواء في الرياض أو شقراء أو المدينة المنورة؛ فوعدني باللقاء في رمضان بالمدينة وهو بمعية أخيه الأمير سلطان الله تعالى إلا أن قدر الله كان نافذاً؛ فقد توفيت في هذا العام الأميرة لولوة بنت عبدالعزيز -رحمها الله تعالى-وكان صعباً عليه أن يتواجد في المدينة، وبعد كل تلك السنوات التي أتذكر أحداثها جيداً: بتُ متأكداً من أن الملك سلمان حاكم نجد الملك السابع للمملكة: هو أقرب أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز الله تعالى شبها بأبيه؛ فقد أوتي الذكاء والحكمة والحنكة وسرعة البديهة والتبصر والرؤية البعيدة لمآلات الأمور قبل الولوج فيها؛ حرصاً منه على مصلحة مواطنيه ،وتلبية مطالبهم، وتفقد أحوالهم؛ وليس أدل على ذلك من القرار الذي اتخذه بإقرار ( عاصفة الحزم) ثم (إعادة الأمل) حتى يحافظ على مكتسبات الوطن، ويضمن لأهل المملكة وغيرهم من سكان الدول المجاورة العيش في أمان، وأن يرد إلى الضعيف الحقوق، وإعادة الشرعية للبلاد، والوقوف بكل حسم أمام كل من تسول له نفسه تهديد، أمن الخليج كله، فاللهم احفظه ووفقه إلى خير ما ترضاه يا رب العالمين».
وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه يكشف معلومات مهمة عن تاريخ التعليم في المملكة، ليلقي الضوء على جهوده الدولة وفقها الله في دعم التعليم وتطويره في كافة مراحله وأطواره.