د.عبدالعزيز عبيد البكر
أمور كثيرة حدثت عالمياً في عالم الأمن السيبراني، واتضح جلياً أن الأمن السيبراني الآن أصبح جزءًا أساسيًا وعاملاً مهمًا لا يتجزأ من آليات الحرب بين الدول وخاصة بعد الأحداث التي شهدها العالم حديثاً -الحروب السيبرانية بين روسيا وأمريكا وأوكرانيا، ليس فقط استهداف العديد من منشآت الدول الحيوية من خلال هجوم إلكتروني بل بإمكانية تعطل عمل أجهزة رئيسية بين الدول والمصارف والبنوك والوزارات والوسائل الأخرى اللوجستية- ذلك النوع من الهجوم كانت خسائرة بمئات ملايين الدولارات، وتعطيل مصالح الدول الأساسية. مما يعني أن هذا التهديد قد تجاوز كونه تحديًا تقنيًا بل ارتبط بالأمن الوطني للدول بشكل وثيق، بل إنه قد أضحى جزءًا لا يتجزأ من آليات الحروب المستقبلية الأساسية بين الدول، وإن دل فإنه قد أصبح ضمن إحدى المناورات العسكرية التي تستعد أن تجريها الدول لشن هجمات ولشل عمل قدرات دول أخرى وتدمير المرافق الحيوية في البلاد.
الدول الكبرى ومنظمات الأمن السيبراني تنبهت منذ وقت مبكر إلى مخاطر الإرهاب والهجمات الإلكترونية خاصة قبل هذه المناوشات السيبرانية بين الدول واستدركت أن الهجمات إلكترونية شاملة وتدميرية، وقد تعصف بكل المرافق الحيوية في البلاد، الأمر الذي حدا بحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تطوير سياسة للردع الإلكتروني تعكس جاهزية الحلف لتقديم الدعم الفوري لأي من دول الأعضاء حال تعرضها لهجوم من هذا النوع، كما أنه لدى بعض دول الاتحاد الأوروبي تجارب مهمة بشأن الدفاع الإلكتروني، وخاصة في كل من ألمانيا وفرنسا حيث أسست فرنسا قيادة للعمليات المعلوماتية السيبرانية تحت مسؤولية قيادة الأركان تشرف على حوالي أكثر من 2500 مقاتل وخبير رقمي، من ناحية أخرى قد جعل الاتحاد الأوروبي قضية الأمن السيبراني ذات أولوية قصوى لديه وهو أحد إستراتيجيات الحرب.
دول الخليج تنبهت أيضاً منذ وقت مبكر إلى مخاطر الإرهاب والهجمات الإلكترونية لثلاثة أسباب، الأول: التقدم الملحوظ الذي حققته في التحول نحو مفهوم الحكومة الإلكترونية بما يجعل العديد من المرافق الحيوية تحت حماية إلكترونية قوية، والثاني: ثروتها النفطية التي تُعد أحد أهداف التهديدات السيبرانية، ومن ذلك تؤكد بعض الدراسات أن 50 % من الهجمات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط تستهدف قطاعي النفط والغاز.
وأمام تلك التحديات فقد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بمواجهة مخاطر الإرهاب السيبراني، وهو ما تضمنه مؤشر الأمن السيبراني بتحقيق المملكة العربية السعودية إنجازًا كبيرًا لافتًا في مجال الأمن السيبراني، وذلك أنها حصلت على المركز الثاني عالميًا، وتتبوأ المرتبة الأولى في الوطن العربي والشرق الأوسط وقارة آسيا، وفقًا للمؤشر العالمي للأمن السيبراني. ويرجع ذلك أولاً إلى اهتمام حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان-حفظهما الله- إلى تأسيس هيئة معنية بالأمن السيبراني «الهيئة الوطنية للأمن السيبراني»، ثانياً الإنفاق المالي على ذلك القطاع، فوفقاً لأحد التقديرات الحديثة نجد أن قطاع الأمن السيبراني هو أحد القطاعات الأكثر نمواً في المملكة العربية السعودية. ونمو الشركات المتخصصة بالأمن السيبراني وكل القطاعات التقنية مؤخراً بالمملكة العربية السعودية.
فبتالي الهجمات السيبرانية قد أضحت أهم وأبرز مهددات الأمن الوطني، فربما مواجهته تحتاج، ولابد من العمل بشكل متوازٍ على مسارات عدة سواء تشريعية من حيث إقرار التشريعات اللازمة لذلك أو إعلامية من حيث توعية المواطنين بمسألة أمن المعلومات والهجمات السيبرانية عمومًا أو من خلال توفير الكوادر البشرية بما يمكنها من مواكبة أساليب عمل المنظمات الإرهابية السيبرانية والهجمات التي تسعى دومًا لاختراق أنظمة المعلومات في أجهزة الدولة عمومًا وفي المؤسسات العسكرية والأمنية على نحو خاص.
** **
- دكتوراة بالأمن السيبراني والتحقيقات الرقمية الجنائية، استاذ الأمن السيبراني غير متفرغ بجامعة حائل- عضو مؤسس جمعية البحث العلمي قسم الدراسات السيبرانية. رئيس اللجنة العلمية ورئيس نادي مدينة بليموث البريطانية سابقاً.