حين قرأت كتاب: (أمة اقرأ لا تقرأ)، أحد تآليف الصديق الأستاذ حسن حمادة، أشفقت عليه من اختيار هذا العنوان الشمولي لكتابه، فهو لا يصدُق على أحدٍ غيري من هذه الأمة العريضة، فأنا منذ جرَّب طبيب العيون مصطفى جمال -رحمه الله- حذقه على عينيَّ سنة 1383هـ، 1963م، وإلى اليوم وأنا أستعين بترجمان من زجاج، وإطار، وحاملتين تقاسم أنفي عبء ثقله يترجم لهما الحروف.
منذ ذاك وأنا أتحاشى قراءة الصحف، وما أكثر ما فاتني من أخبار وأحداث عزيزة على نفسي؛ ومنها أخبار التكريمات التي أقيمت لأخي وخديني في هم الأرض والحرف؛ الشاعر الأنيق الأستاذ علي الدميني. أسمعتَ بأكثر من هذا تعاسة حظٍّ، وسوء طالع؟
فحين انتوى نادي المنطقة الشرقية الأدبي تكريمه، أصدر كتابًا عنوانه: (في الطريق إلى أبواب القصيدة – علي الدميني)، اشتمل على المواد المزمع المشاركة بها في حفل التكريم، فخذلني الحظ، ولم أحصل على نسخة منه.
وفي عشية 12 ربيع الأول 1437 هـ، 23 ديسمبر 2015م احتشد بقبو النادي نخبة من عِلية المثقفين، بين واقف خلف المنصة يرتل، وآخر يشدو، وثالث منصت على الأريكة مستلذًّا بما يسمع، فأين أنا من هذه البهجة؟ أيعقل أن أغيب؟ سيدهش رئيس النادي الأستاذ خليل الفزيع - وهو مِن ألصق الأصدقاء بي - أنني الغائب الوحيد، وهذا ليس تقصيرًا من الأستاذ خليل، فربما لم توجه دعوات لأحد اعتمادًا على الإعلان في الصحف، وأنا - كما قلت - لا أقرأ المقالات ولا الأخبار المنشورة في الصحف، فما بالك بالإعلانات؟
بعد هذه الاحتفالية جاءت احتفالية أخرى في جمعية الثقافة والفنون بالدمام في مساء الثلاثاء 28 جمادى الثانية 1438هـ 26 ديسمبر، 2017، وهذه كسابقتها.
عادة تبلغني أصداء الاحتفال من فم صديق، وهاتف آخر، ولربما فاتتني أنباء تكريمات، وتكريمات، لم تصل أنباؤها مسامعي، ولا غرو فهو أحق من تقام لأجله الاحتفالات.
والشعر ليس ميدانه الفريد، فباعه - في ما اصطُلح على تسميته السرد - طولى، وفي الصحافة الأدبية - إن صحت التسمية - له باع ثالثة، تجسدت في فصلية (النَّص الجديد).
صاحبنا - إذن - متعدد المواهب، جمّ العطاء، كثير الهبات، منح ساحتنا الأدبية، وما يزال - بلا كلل، ودرس أدبه كثير من النقدة الكبار، فما عسى أن أضيف؟ أوليس الأجدى أن أخلي له المنبر يدندن بمسمعك شيئًا من مرهف نغمه، بدل أن أضيع وقتك في ما لا طائل خلفه؟ هذا اقرأ من قصيدته:
الهوادج
ما تبقى من العمر إلا الكثيرْ.
ما تبقى من العمر إلا الكثير،
فماذا أسمي البياض الذي يتعقّبني
غازياً أم أسيرا؟
قم من الليل، يا لابس الخيل كيما ترى
أفقاً
ناسكاً، ونهاراً طهورا
إن قلبي ينوس وحيداً، وقد فارقته البواكير
واستخلفته
الأساطير
ينزف ماء الزمان على الساعة الجامدةْ
واحدةْ:
* * *
ومن قصيدته الخبت:
أنشدت للرعيان ثوب قصيدةٍ في البرّ
عاقرني الفؤاد على النوى
وتباعدت نوق المدينةِ عن شياهيْ
آخيت تشرابي الأمور بنخلة ٍ
وغرست في الصحراء زهو مناخي
«لا تقرب الأشجار» ألقاها الكثيب عليّ
أرّقني صباحي
لكن قلبي يجمع الأغصان ، يشرب طعمها
ويؤلف الأوراق في تنّور راحي
«لا تقرب الأشجار» غافلني الفؤاد فمسّها، وهبطت
من عالي شيوخ قبيلتي أرعى جراحي
هذا بياض الخبت، أهمزُ مهرتي للبحر
أرسنها إلى قلبي، فتجتاز المسافة
حجرٌ على رمل المسيرة، هودجٌ، حِملٌ،
وأغصانٌ من الرمان، هل تقفز؟
دعاني عُرفُ ثوب البحر، أفرغت الفؤاد من المخاوف وانهمرت
إلى مسيل الخبت،
يا ابنَ العبد ألقِ إليّ أدوية البعير فإنني
سأنسقُ الأورامَ.
أستلُ الجراح من التفرد والزهادة.
وأضمّ هودج خولة القاسي، أزيّن وحشة الممشى
بعقد ِ
أو قلادهْ.
* * *
لكأني أتحسس أرق دالية الشريف الرضي:
أثَرُ الهَوادِجِ في عِراصِ البيدِ
مِثلُ الجِبالِ عَلى الجِمالِ القودِ
يَطلُعنَ مِن رَملِ الشَقيقِ لَواغِباً
زَحفَ الجَنوبِ بِعارِضٍ مَمدودِ
كَم بانَ في المُتَحَمِّلينَ عَشِيَّةً
مِن ذي لَمىً خِصرِ الرضابِ بَرودِ
أما رسالتي إليك أيا الصفي:
أيها الغائب المقيم بفكري
سلوتي أنت، أيُّ هذا المصفى
وعزائي إذا تنكر دهري
***
لا تقل لي: صبرًا، فليس بشافٍ
ما بنفسي، من القطيعة، صبري
وشقائي أن لا أراك إزائي
كيف لي أن أطيق ساعة هجري؟
ليس بدعًا أن درجنا خدينين
أقاما على نقاء وطهر
وارتشفنا من المودة أكوا
بًا عذابًا، ما شابها صابُ غدر
من شاطئ اليباب بتصرف
* * *
في الختام
أقسى من الموت أن تسدي إليَّ سنًا
وحين أطلب ما أهديك لا أجد
إلا خالص حبي
* * *
** **
- عدنان العوامي