محسن علي السهيمي
وأتى التقاعدُ.. والتقاعدُ إنَّما
هو للذي عصرَ الفؤادَ وتمَّما
أعوامُهُ ذهبتْ بزهْرِ شبابِهِ
حتى رأى نُذُرَ المشيبِ.. فسلَّما
ورأى السنينَ تتابعتْ وتدافعتْ
وغدتْ تُكرِّرُ بعضَها.. فتفهَّما
ورأى الشبابَ تزاحمُوا من حولِهِ
ورفاقَهُ رحلُوا فحارَ وهَمْهَما
قرأَ الحياةَ فراعَهُ أنَّ الذي
فيها يؤمَّلُ.. لا يَجيءُ متَمَّما
ورأى اللُّهاثَ وراءَها قد زادَهُ
فيها عناءً.. فاستدارَ ويمَّما
ومضى يُلملِمُ بعضَهُ مستقبِلاً
فجرَ البهاءِ بهمةٍ.. وتَقدَّما
ومضى ليهنأَ بالسلامِ وفسحةٍ
تغدُو لمَن بلغَ المشارفَ بلسَما
كلُّ النوافذِ فُتِّحتْ واستشرفتْ
أحلامَهُ.. وتكادُ أنْ تتكلَّما
الوقتُ مِلْكُ يمينِهِ.. وأمامَهُ
حريةٌ بيضاءُ لامستِ السَّما
فلربما ركبَ البحارَ مغامرًا
ولربما قطعَ الديارَ تَنَعُّما
إنْ شاءَ يَخلدُ للمنامِ وإن يشأْ
صَحْوًا.. فحُقَّ لروحِهِ أن تَنْعما
إنْ شاءَ يقرأُ في السطورِ وإنْ يشأْ
جعلَ الطبيعةَ للهوايةِ مَرسَما
إن شاءَ.. يكتبُ للحياةِ قصيدةً
أو شاء.. يتَّخذُ التأمُّلَ مَغْنما
حُرًّا تخفَّفَ من علائقِ أمسِهِ
وهفا إلى غدِهِ البهيجِ متيَّما
متأملاً في الكونِ والدُّنيا وما
برأَ الإلهُ بِذا الوجودِ وأَحْكما
يكفيهِ أنْ نثرَ البذورَ فأزهرتْ
حُبًّا تجذَّرَ في القلوبِ منغَّما
يكفيهِ أن مُلئتْ سنينُ شبابِهِ
دَأَبًا.. ومَن يكُ هكذا لن يَندما