خالد بن حمد المالك
لا أحد من العقلاء يقف مع نشوب الحروب، أو يتضامن مع أسبابها، أو ينساق مؤيداً لمبرراتها، لأن إفرازاتها قتلى ودماء، ونتائجها دمار وخسائر، ومحصلتها أن الناجي منها سيكون في موقع من مسَّه الضرر مثله في ذلك مثل من لم ينجُ منها.
* *
الحروب تنشأ عادة بسبب الأطماع، واستعراض القوة، والتسرع في اتخاذ القرار، وغياب الحكمة والعقل لحظة إطلاق شرارتها الأولى، وقد تأتي نتيجة التخفوف مما لا تخوف منه، أو الهواجس مما لن يكون.
* *
في الحروب دروس وعِبَر، من خلال نتائجها ونهاياتها المؤلمة، غير أن العالم لا يتعلم ولا يستفيد، ويكرر الأخطاء مرة بعد أخرى، وكأنه يعتقد أنها ستكون برداً وسلاماً، لمجرد أنه الأقوى عسكرياً، والأمضى في كسبها، والمهيأ لعدم خسارتها.
* *
غير أن الأرقام تتحدث عن أن الخسائر تنزل بكل الأطراف المتحاربة، والضرر يمس كل من كان مشاركاً فيها، وأن جهنم الحروب لا تستثني أحداً، وإن كان جحيمها بنِسَب متفاوتة، وفقًا للاختلاف في موازين القوى بين عتاولة الحروب.
* *
شئنا أم أبينا، فلا يمكن إنكار مساحة الضرر الواسعة في أي حرب تقوم، وفي أي صراع يحدث، كما لا يمكن الحد منها، أو تجنب أضرارها إذا ما اشتعلت، حتى وإن بدت محدودة، إلا أنها سرعان ما تتسع وتتطور، وتكون لها أهدافها غير المحدودة، وبأكثر مما كان مخططاً لها.
* *
وها نحن أمام الحرب الروسية-الأوكرانية، فقد أصيبت أوكرانيا بدمار شامل، بقتلى كثر، وبتهجير الملايين، وهذه الأضرار الهائلة التي مسَّت الأرض والبشر في أوكرانيا، يقابلها خسائر عسكرية وبشرية واقتصادية في روسيا، أي أن مآلة الحرب والجزم بأن هناك خاسرًا ومنتصرًا فيها، تظهر أن الجانبين في وضع الخاسر فيها، بل إن خسائر هذه الحرب قد تمتد إلى دول أخرى كثيرة.
* *
فهل من عاقل يحب الحرب، يتعاطف معها، يسعى لتهيئة الطريق حتى تكون، هل من عاقل يتردد في قبول الوساطات لإيقاف نزيف الدم الحار، والخسائر الكبيرة، إمعاناً في تبرير موقفه، والإصرار على كسب المعركة، هل من عاقل لا يثيره مشهد الدمار الشامل، والأرواح التي تزهق، فيتحرك عاجلاً وسريعاً لإطفاء معركة ليس فيها جانب منتصر، إذًا سارعوا إلى تطويقها بأي ثمن يا عقلاء.