سلمان بن محمد العُمري
هناك العديد من القصص القديمة التي أتذكرها، وأرى فيها العبرة والفائدة حتى يومنا هذا، ومن ذلك هذه القصة التي سمعتها وربما سمعتموها أيضاً وهي: قصة رجلين من إحدى القرى، سافرا لمدة طويلة إلى مدينة كبيرة، في سالف الزمن.
بعد رجوعهما زارهما الناس الذين أبدوا اهتماماً كبيراً للحياة في هذه المدينة التي تعج بالعجائب والغرائب والمتناقضات.
أحدهما، قال لهم إن المدينة غارقة في الملذات والفساد، والدعارة وشرب الخمور وما إلى ذلك من المفاسد، بينما الثاني وصف لهم الأجواء الروحانية التي عاشها هناك، والمساجد التي تمتلئ بالمصلين، والبر والإحسان، وجمال البلاد إلخ، لكن الناس احتاروا في الأمر، من المحقّ من الاثنين، لذلك قرّروا استشارة قاضي البلدة، وبعدما استمع إليهم قال:
وفي السماء طير اسمه البجع
إن الطيور على أشكاله تقع
الأول كان فاسد القلب وفاجراً، فلما سافر ذهب إلى رفاقه من نفس المستوى، بينما الثاني كان صالحاً وتقياً واجتمع برفاقه من الصالحين والأتقياء.
والفوائد من القصة عديدة، ومنها التثبت من الأخبار ومصدرها، وأن كل إناء بما فيه ينضح، والأمر الآخر أن الحكم على الناس يجب ألا يكون من طريق واحد، بل لا بد من التثبت من عدة طرق وأوجه.
وقليل من الناس من يلتزم الاعتدال والتوسط في الحكم على الأمور وعلى الناس، فالبعض مغرق في السوداوية والتشاؤم وضيق الأفق، وهناك من هو مغرق في التفاؤل واللين حد السذاجة والضعف.
الأمر الآخر المستفاد هو عدم التسرع في الحكم على الأشياء من منظار واحد سلباً أو إيجاباً، وفي هذا الوقت يجب التدقيق والتدقيق والتمحيص في المعلومات والأخبار، ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الإشاعات وكثر فيه المرجفون، وحيل الأعداء ومكرهم وخبثهم وحرصهم على شق الصف والنزاع والشقاق وإساءة سمعة الأشخاص والمؤسسات والدول وبث الكراهية تجاهها باستخدام الأكاذيب وترويجها.
ليتنا نستخدم معيار القاضي ونفعل (الفلترة)، فيما يرد إلينا في أخبار القنوات الفضائية أو عبر المواقع الإلكترونية أو وسائط التواصل، ولنتذكر قول الله تعالى دائماً وأبداً: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18].