د. عيد بن مسعود الجهني
يمكن القول إنه منذ العصر الحجري القديم، مروراً بزمن السومريين والأكاديين بين (2000 - 2800 ق.م) والآشوريين (612 - 1900 ق.م)، وحتى عهد الرومان، واليونان، والعرب في الجاهلية، انحصرت أدوات قتالهم تطوراً من الفأس إلى السهام والخناجر والرماح والسيوف والدروع والأقواس ... إلخ.
وفي الدولة الإسلامية التي تأسست في المدينة المنورة استخدموا تلك الأدوات وزادوا عليها (بقوة) الجياد، وتطورت في الدولتين الأموية والعباسية مستخدمين الأسلحة النارية والمنجنيق والبارود.
يقول المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
والمغول في القرنين الثاني عشر والثالث عشر استعملوا أسلحة منها البنادق والمدفع وغيرها، وتمكّنوا من احتلال بغداد عاصمة الدولة العباسية وقتلوا الخليفة المعتصم و(300) من رجاله.
وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر استخدم العثمانيون الأسلحة الفردية والنارية والمدافع، وأسس محمد علي في مصر جيوشاً منظمة وأسطولاً ومصانع لصناعة أدوات القتال ومصنعاً للمدافع في القرن التاسع عشر.
وفي ذلك القرن كانت هناك صناعات حربية متطورة في القارة الأوربية منها الطائرات والسفن الحربية وغيرها، ودارت حروب دامية في تلك القارة وقامت إمبراطوريات وانهارت أخرى.
من تلك الإمبراطوريات بريطانيا التي منحها الزمن السيطرة على عدد كبير من دول العالم وهي صاحبة وعد بلفور (اللعين) الذي وهبت به فلسطين لليهود، وإمبراطورية فرنسا هي الأخرى لم تتأخر عن أختها بريطانيا، فأفعالها في الجزائر يشمئز منها التاريخ، وهذه أمثلة في بلدين عربيين لكن تلك الدولتين ومعهما إيطاليا كان لإمبراطوريتهم أفعال (سيئة) في لبنان وبلاد الشام والعراق والسودان ومصر وليبيا واليمن وغيرها برز فيه وجهه الاستعماري القبيح.
بقي العالم يسوده سيطرة إمبراطوريات خرج من ظلمها وعدوانها الحرب الكونية الأولى والثانية، وهنا توارت إمبراطوريات وبرزت أخرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي أنهت الحرب المدمرة الثانية بقنبلتها النووية على هيروشيما التي أودت بحياة (80) ألف إنسان أما أختها التي تلقتها ناغازاكي فضحاياها كانوا (70) ألفاً لتستسلم اليابان وتنتهي الحرب الشريرة.
وبعد سنوات من ذلك الحدث الرهيب بدأت الحرب الباردة بين القطبين الاتحاد السوفييتي (السابق) والولايات المتحدة، وشهد العالم حروب فيتنام وكوريا، و1956 ، 1967 ، 1973 وحرب روسيا على أفغانستان وحرب إيران والعراق وغزو العراق لدولة الكويت الشقيقة 1990 وانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 واحتلال أمريكا لأفغانستان ثم العراق 2003 وما تلاه من أحداث الخريف العربي وتدخل الدول الكبرى في الدول العربية.
إذاً الدول العظمى صاحبة القوة الذرية وفي مقدمتها روسيا وأمريكا، وبريطانيا وفرنسا هي في زماننا هذا تتدخل في شؤون ديارنا العربية وتشن الحروب عليها، فمثلاً أمريكا ومعها بريطانيا دمرت العراق وسلّمته على طبق من ذهب لإيران، وروسيا دمرت بلاد الشام وساهمت هي الأخرى ومعها أمريكا لتقدمها هدية لطهران.
القرن المنصرم بأحداثه الجسام وفي مقدمتها إسقاط القنابل النووية فور صناعتها على الجزر اليابانية لتنهي الحرب، ومن حسن حظ البشرية أن أمريكا وحدها آنذاك التي امتلكت هذا السلاح المدمر بعد أن التقطت نظرية أنشتاين وطورتها.
ومنذ ذلك التاريخ لم تستخدم الأسلحة النووية، لكن بدأت رحلة امتلاك هذا السلاح النووي بالغ القوة التدميرية الهائلة، وتمكنت تسع دول من حيازته (أمريكا - روسيا - فرنسا - الصين - الهند - باكستان - إسرائيل - كوريا الشمالية).
هذه الدول تمتلك القوة الذرية رغم أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970 تنص في مادتها السادسة على أن (تتعهد جميع الأطراف بمواصلة مفاوضات حسن النيَّة بشأن التدابير الفعَّالة المتعلّقة بوقف سباق التسلح النووي ونزع السلاح النووي ونزع السلاح العام الكامل).
لكن على أرض الواقع الفني والقانوني والأخلاقي لم تصدق دولة واحدة حسن نيتها، والدليل أن الموقعين على المعاهدة (191) دولة ومنها كوريا الشمالية والتي لم تنفذ حرفاً واحداً منها، بل وانسحبت من المعاهدة عام 2003، ناهيك أن الهند وباكستان وإسرائيل التي تمتلك أسلحة نووية لم توافق على المعاهدة.
سؤال مطروح هل الجنس البشري في خطر اليوم؟
الإجابة نعم، وسؤال آخر لماذا؟
دولتان روسيا وأمريكا تمتلكان من الأسلحة الذرية والهيدروجينية وغيرها ما يدمّر العالم بأكمله إحدى عشرة مرة، فلدى روسيا ما يدمر الكرة الأرضية (7) مرات، وأمريكا (5) مرات.
هاتان دولتان إذا انضمت لهما باقي الدول النووية الأخرى وفي مقدمتها الصين، لذا فان الإنسان اليوم يعيش حالة من الرعب والخوف والترقّب الخطرين.
نقول هذا أخذاً بالاعتبار الجدي تلويح الرئيس بوتين في حربه على جارته أوكرانيا باستعمال السلاح الذري وهذا تصريح خطير، فقد يحدث وقد لا يكتب له النجاح، لكن إذا حدث خطأ فإن البشر والحجر في خطر داهم.
الحرب على أوكرانيا قدمت لنا أخطار الحرب الذرية التي لا تبقي ولا تذر خاصة بعد تلويح السيد بوتين الخطير كرئيس دولة بلغ مخزون بلاده من هذا السلاح المدمر عام 1986 حوالي (40) ألف سلاح نووي ومن ضمن هذا السلاح قنابل القيصر تتابعت اختباراتها ذات الأرقام (219، 173، 174، 147).
وتعد أقوى وأخطر انفجارات نووية في تاريخ الإنسانية، إحداها التي أجريت في 30 أكتوبر 1961 كانت مذهلة ومهيبة ومخيفة بلغ ارتفاع السحابة الناتجة عن الانفجار (64) كيلومتراً في السماء وبلغ عرضها (40) كيلومتراً وشوهد الانفجار على مساحة (1000) كيلو متر.
هذا في الستينيات فالأدهى والأمر التطور الرهيب الذي حدث في ميدان هذا السلاح المرعب بعد ذلك التاريخ البعيد!
ولا تقل الترسانة الذرية الأمريكية خطورة عن زميلتها الروسية فكلاهما شر مستطير خرجا من رحم (نظرية انشتاين النسبية) ذات الشهرة العالمية.
فالأمريكان تجربتهم التي أطلقوا عليها (كاسل برافو) (Castle Bravo) التي كان تفجيرها في شهر فبراير 1954 تعد أكبر انفجار نووي أمريكي.
تلا تلك التجربة واحدة أخرى أطلق عليها (كاسل يانكي) (Castle Yankee) كان تفجيرها في شهر مايو 1954 ولا تقل عن زميلتها في حجم قوة انفجارها النووي.
وما بين ذلك العام واليوم تطورت كثيراً قوة بلاد العم سام النووية ولذا استحقت لقب حصولها على المركز الثاني بعد روسيا وقدرتها على تدمير العالم أكثر من خمس مرات، والدليل أن بعض التقارير تشير إلى أن أمريكا من المتوقع أن تنفق حاولي ترليون دولار بحلول عام 2040 لتطوير قوتها الذرية.
ومعروف أنه من الناحية النظرية أن أية دولة في المنظومة الدولية صار لها امتلاك التكنولوجيا والمعلومات المدعومة بالمنشآت اللازمة بإمكانها أن تصبح قادرة على تطوير أسلحة نووية، ولم يتبق لها سوى السماح بذلك طبقاً لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
لكن بعض الدول التي امتلكت هذا السلاح الخبيث جنبت المعاهدة ومنها إيران التي دشنت برنامجها النووي مدعية أنه سلمي، لكن حقيقة أنه تطوير جدي لأسلحة نووية، وهي مستمرة في مسعاها رغم فرض عقوبات مشددة عليها منذ عام 2010، ثم صار لها اتفاق مع الدول الكبرى وفي مايو 2015 انسحب منه ترامب مما جعل ذلك البلد يرفع تخصيب اليورانيوم إلى (60) في المئة.
وعلى الرغم من أن الردع النووي خلال السبعة العقود الماضية كان له دور أساسي للحفاظ على السلام العالمي، وإدارته كانت متعقلة لأن حدوثه يعني الفناء.
ولذا نرى مثلاً أن الرئيس الأمريكي ترافقه (حقيبة سوداء) بداخلها شفرة سرية خاصة بالنظام النووي الأمريكي ترافقه سواء أكان في البيت الأبيض أو خارجه وهو يملك وحده (شفرتها السرية).
ناهيك أن الرئيس محاط بكفاءات عسكرية وسياسية وفنية على قدر كبير من الخبرة والمؤهلات همهم الأول والأخير الحفاظ على عدم الوقوع في أبسط الأخطاء الذي يعني النهاية.
نوهنا أن الرئيس الروسي بوتين لمح شخصياً باستخدام السلاح النووي إذا تعرضت بلاده أو مصالحها للخطر، وهذا تلميح عام ليس محدداً بشكل دقيق، لكنه يثبت بجلاء أن أي خطر غير محسوب نتيجته الحتمية تعرض الجنس البشري ومنه سكان الدول التي ستطلق أول رأس نووي لأشد الفتك في حياة الإنسان.
فقنبلة ذرية واحدة متوسطة الحجم تدمر مدينة من الحجم الكبير مساحةً وسكاناً.
وإذا كانت الحربان العالميتان قد أودتا خلال أكثر من تسع سنوات بحياة أكثر من (60) مليون إنسان، فإن حرب كونية ثالثة سلاحها ذري ستأتي على تدمير العالم بإنسانه وشجره وحجره خلال أيام معدودات.
إن الجنس البشري يمثِّل له السلاح النووي خطراً محدقاً وليس باستطاعة دول العالم أجمع بشعوبه وحكوماته تحمل خسائر حرب لا تبقي ولا تذر.
حكماء العالم.. إذا كان هناك حكماء وعلماء (ذرة) يدركون تلك الخسائر.. التي تعني فناء الإنسان الذي كرّمه الله وحرَّم قتله.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء 70).
والله ولي التوفيق،،،