عبدالرحمن الحبيب
«أنت تنتقل من كونك سلة خبز للعالم إلى الوضع الحالي، وهو حرفياً، حاجتك للخبز. إنه انقلاب لا يصدق للواقع». هذا ما قاله بيسلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي عن أوكرانيا التي ذكر أنها برزت كأكبر مورد للسلع الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي، حيث قدمت 789 ألف طن من حبوب القمح عام 2021 و91 طنا إضافيًا البازلاء. وقال «لدى برنامج الأغذية العالمي مصادر بديلة من السوق الدولية في حالة حدوث اضطراب»، مشيرًا إلى أن أي آثار محتملة للأزمة ستستغرق وقتًا للتأثير في عمليات الوكالة. لكن على ماذا تشير التوقعات؟
رغم الاحتياطات التي يتخذها البرنامج وما تقوم به الدول من إجراءات، فإن التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاع الأسعار بسبب الصراع لأن كل من أوكرانيا وروسيا من كبار مصدري المواد الغذائية، حيث تصدر روسيا وأوكرانيا، اللتان تعرفان بـ»سلة خبز أوروبا»، نحو ربع إنتاج القمح العالمي، ونصف منتجات دوار الشمس والذرة والزيت (مجلة فورين بولسي).
أكبر تأثير لاستمرار هذه الحرب هو على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يشير تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز أنه في هذه المنطقة «تعد الحبوب والزيوت النباتية من أوكرانيا وروسيا حاسمة بالنسبة للأنظمة الغذائية الوطنية، وقد أثارت الحرب مخاوف بشأن الأمن الغذائي والاستقرار السياسي». أوكرانيا هي المورد الرئيس للقمح إلى لبنان وتونس وليبيا وسوريا. ومصر، هي أكبر مستورد للقمح بالعالم من روسيا وأوكرانيا بأكثر من 80 في المئة من القمح الذي تشتريه من الأسواق الدولية، وفقا لبيانات الأمم المتحدة». وذكر التقرير إن هذه الحرب أدت إلى اختفاء الدقيق من المحلات في لبنان منذ بداية مارس، وارتفاع سعر الخبز بنسبة 70 في المئة.. موضحاً «أن عملة لبنان فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ عام 2019.. ونظرا لكون أكثر من 70 في المئة من واردات القمح تأتي من أوكرانيا، فقد تعرض المستهلكون لضربة أخرى».
مجلة فورين بولسي ترى أن تلك الحرب ليست فقط أدت إلى تعطيل الزراعة وإغلاق أسواق التصدير لاثنين من كبار مصدري الحبوب، بل أدت أيضاً إلى صدمات جانبية يمكن أن تسبب المزيد من الخراب في الأسواق الزراعية، بما في ذلك القيود الروسية على صادرات الأسمدة (مصدر رئيسي للإمدادات العالمية) وارتفاع أسعار الطاقة، مما يجعل من الصعب على البلدان الأخرى إنتاج الأسمدة.
وحذرت شركة يارا إنترناشونال، وهي من أكبر شركات الأسمدة بالعالم، من أن الصراع قد يلحق أضراراً بصناعتها، ما يؤثر بشكل أكبر على أسعار المواد الغذائية، فالنقص بالأسمدة يلحق أضرارا بالغة بالمحاصيل، مما يؤدي إلى «أزمة غذاء عالمية». وتنتج روسيا أيضاً كميات هائلة من الأسمدة خاصة البوتاسيوم والفوسفات، وهما مع النتروجين المكونات الأساسية للأسمدة، في حين ظهرت إشارات في روسيا إلى احتمالية وقف تصديرها للأسمدة. وبالأساس قبل الحرب الحالية كانت أسعار الأسمدة تتصاعد بسبب زيادة أسعار الغاز.
ومن هنا يخشى الخبراء استمرار ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة على نطاق واسع واختلال الأمن الغذائي، خاصة في البلدان الفقيرة. قال بارو من برنامج الأغذية العالمي إنه مع «ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالفعل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، والارتفاع الشديد في أسعار النفط، فإن تكاليف النقل في برنامج الأغذية العالمي سترتفع.. وأن الهوة بين احتياجاتنا التمويلية والموارد المتاحة ستستمر في الاتساع». «قد يكون هذا وضعًا كارثيًا لملايين الأسر التي تعتمد على برنامج الأغذية العالمي للحصول على المساعدة الغذائية». وكان بيسلي سبق أن حذر من أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مجاعة محتملة في العالم ارتفع من 80 مليونا إلى 276 مليونا في السنوات الأربع قبل الحرب الحالية، بسبب ما أسماه «عاصفة كاملة» من الصراعات والتغير المناخي وفيروس كورونا.
في جنوب إفريقيا ذكر سيهلوبو، كبير الاقتصاديين في غرفة الأعمال الزراعية، إنه بينما يمثل الارتفاع الحاد بالأسعار مشكلة على المدى القصير، فقد يتبع ذلك نقص في المحاصيل الأساسية.. موضحاً «أن ذلك يعتمد على طول الحرب وشدتها، وقد نبدأ نلاحظ نقص في الشحنات التي تصل إلى القارة الإفريقية، مما سيتسبب في شح الأغذية... إذا نظرتم إلى مؤشر أسعار الأغذية العالمية، فستجدون أنه وصل إلى عدة ارتفاعات في بداية هذا العام. وتضيف هذه الأزمة إلى ذلك الوضع الصعب لكثير من المستهلكين، ولا سيما في العالم النامي».
«على المدى الطويل يمكن أن يغير هذا النزاع النظام الاقتصادي والجيوسياسي بشكل جذري، وإذا تغيرت شروط التجارة في موارد الطاقة، فسيتم إعادة بناء سلاسل التوريد وتقسيم شبكات الدفع وستعيد البلدان النظر في تكوين احتياطياتها من الذهب والعملات الأجنبية» حسبما ذكر صندوق النقد الدولي؛ بينما حذرت صحيفة ليموند من أن الوضع في أوكرانيا سيبطئ تعافي الاقتصاد العالمي الذي ضعف كثيرا بسبب جائحة كورونا، وقد يغيره إلى الأبد. أما آخر التحذيرات فقد جاءت من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن الحرب تهدد أيضًا بإثارة «أزمة جوع عالمية»، من خلال التسبب في ارتفاع أسعار مواد الغذاء والطاقة والأسمدة.