د.شريف بن محمد الأتربي
يعتمد المؤرخون العديد من الأحداث كنقاط فاصلة في التاريخ مثل ميلاد المسيح عليه السلام، والهجرة النبوية المشرفة، وكذلك الحروب، ولعل من أهم الأحداث الفاصلة والتي يؤرخ بها حالياً: الإنترنت، فبتنا نسمع في علم التأريخ قبل الإنترنت وبعده.
وللإنترنت نفسها حكاية تروى، حيث ظهرت شبكة الإنترنت نتيجة لمشروع «أربانت» الذي انطلق عام 1969م، حين أقامت وزارة الدفاع الأميركية شبكة اتصالات تربط بين عدد من مراكز التحليل والأقمار الاصطناعية، أطلقت عليه اسم «أربانت». ومن ثم ربطت هذه الشبكات الكثير من الجامعات ومؤسسات الأبحاث، بهدف استغلال أمثل للقدرات الحسابية للحواسيب المتوفرة.
وظلت هذه الشبكة تعمل بشكل محدود داخل الولايات المتحدة الأمريكية محصورة بالجامعات والمراكز العلمية حتى عام 1991م. ومع بداية عام 1994، لوحظ تزايد كبير في اهتمام الجمهور بالإنترنت، وبحلول عام 1996 أصبح استخدام كلمة الشبكة شائعاً، وبالتالي، انتشرت هذه التكنولوجيا، ومن أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار هذه التقنية إدخال مجموعة بروتوكول الإنترنت (TCP-IP) كبروتوكول الشبكات القياسية عام 1982م.
وترادف مع ظهور شبكة الإنترنت تقريباً ظهور نمط جديد من التعليم؛ وهو التعليم الإلكتروني؛ حيث ظهرت أنظمة إدارة التعلم (LMS)، ومن ثم ظهر نظام (webct)، ثم نظام (Moodle)، وتتابعت التغيرات التي طرأت على شبكة الإنترنت واستخداماتها المتعددة خاصة في مجال التعليم، وفي عام 2001؛ وبالاعتماد على تطبيقات Web2.0 ظهرت موسوعة الويكيبيديا (Wikipedia) التي تعتمد على برامج ويكي (Wiki) ومنهجيتها في ترسيخ مبدأ المشاركة الجماعية والتعاون على تطوير محتوى المواقع، حيث يسمح الويكي لمشتركيه أن يقوموا بصورة جماعية بتعديل محتوياته، سواء بحذفها أو الإضافة إليها حسبما يرى المستخدمون أنفسهم دون أي قيود في الغالب.
وفي نهاية عام 2019 بدأ فيروس كورونا أو كوفيد19 في التفشي عالمياً لتلجأ كثير من الدول إلى إيقاف جميع مظاهر الحياة فيها ومنع التجول إلا للضرورة القصوى، وكان التعليم أحد القطاعات التي تضررت بشدة خلال هذه الأثناء، حيث وجد المعلمون أنفسهم أمام وضع جديد لم يكن أغلبهم مهيأ له، وذلك بالتوجه نحو التعليم عن بعد كأحد خيارات استمرارية عملية التعلم، وهو أحد أنماط التعليم الإلكتروني.
وفي البداية عكف كثير من المعلمين على دراسة أدوات التعليم عن بعد وأنظمته الإدارية والتعليمية، والاستفادة من هذه الأدوات لتحقيق أهداف العملية التعليمية، وبمرور الوقت اكتسب الكثير منهم خبرات تقنية أهلتهم لاستخدام هذه الأدوات باحترافية عالية مما ساعد طلابهم كثيراً في الحصول على المعرفة وإنتاجها أيضاً من خلال استخدام تقنية الويكي.
ويمكن للمعلمين استخدام تقنية الويكي لتعزيز فرص التعلم التعاوني أو التشاركي، حيث يقوم الطلاب أو مجموعات منهم بالعمل على إنتاج مقالة ما أو مشروع معين، بحيث يتم تقسيم العمل فيما بينهم إما من قِبل المعلم نفسه أو من خلال قائد الفريق.
كما يمكن للمعلمين الاستفادة من هذه التقنية أيضاً في تنمية الحس الأدبي لدى الطلاب من خلال التأليف المشترك لقصة أو مسرحية بشرط توضيح أسس وقواعد الكتابة القصصية أو المسرحية مسبقاً.
إن استخدام الطلاب للتقنيات التي يتم إنتاجها وتحديثها يومياً يجب أن يتم في إطار تحقيق الأهداف العامة والخاصة للعملية التعليمية، وخاصة هذا النوع من التقنيات (الويكي) الذي ينمي لدى الطلاب الكثير من السلوكيات الحميدة، مثل الأمانة العلمية، والتعاون، والصبر، والمثابرة، هذا من جانب، وعلى جانب آخر فهي تنمي الكثير من المهارات التي تندرج تحت مهارات القرن الـ21، ومهارات سوق العمل المستقبلي، مثل: الإبداع، والتخطيط، والإعلام، وغيرها من المهارات التي يحتاجها طلاب اليوم قادة المستقبل.