يدرك جميعنا أضرار التدخين الوخيمة والتي لا تقتصر فقط على المدخن، بل وتمتد إلى جميع الأفراد المحيطين به. لست هنا بصدد طرح هذه المضار التي نحفظها جميعا! وإنما لتنويركم بالعلاجات التي تستخدم لترك الدخان. إن المادة المسببة لإدمان السجائر هي النيكوتين. فعند استنشاق دخان السجائر، يتمكّن النيكوتين من الوصول إلى الدماغ خلال ثوان قليلة ليحفز إفراز العديد من الهرمونات (مثل الدوبامين والسيريتونين) المسؤولة عن الشعور بالفرح، تقليل التوتر، حدة الذاكرة وتحسين الأداء، تعديل المزاج واسترخاء العضلات. مع كثرة التعرّض لهذه المادة، يبدأ الجسم بإدمانها والتعود عليها فبمجرد الانعزال عنها تبدأ أعراض الانسحاب بالظهور.
لحسن الحظ، يوجد العديد من الأدوية والتي بدورها -إضافة إلى العزيمة والإرادة- تساعد المدخن على الإقلاع عن التدخين. وقد أشارت البحوث إلى نسبة نجاح أعلى لترك الدخان عند استخدام أحد هذه العلاجات والتي تقدّر بأكثر من 30 % مقارنة بـ5 % عند عدم استخدام العلاج. تنقسم العلاجات -المصرحة من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية- للإقلاع عن التدخين إلى قسمين، بعضها يحتوي على النيكوتين والآخر لا يحتوي النيكوتين.
جميع هذه العلاجات تعمل على تقليل الرغبة الشديدة في النيكوتين وأعراض الانسحاب، مما يزيد من فرصة النجاح في الإقلاع عن التدخين نهائيًا. على الرغم من أن بعض هذه العلاجات يمكن الحصول عليها بدون وصفة طبية، إلا أنه يلزم استشارة الطبيب قبل أخذ أي منها ليحدد العلاج الأنسب بأقل آثار جانبية محتملة.
ومن أوائل هذه الأدوية وأشهرها هي لصقة النكوتين والتي توضع على الجلد وهي سهلة الاستخدام وممتدة المفعول وتمتد فترة علاجها من 8 إلى 10 أسابيع حسب الحالة بشرط أن يكون المدخن مصاباً بأحد أمراض القلب أو السكري.
إلا أنه وفي بعض الأحيان تكون لصقة النيكوتين غير مناسبة نظرًا لظهور حساسية جلدية عند وضعها على الجلد، فيكون من المناسب في هذه الحالة استخدام علكة النيكوتين الشهيرة والتي تحتوي على كميات محسوبة من النيكوتين ويجب مضغها ببطء والاحتفاظ بالعلكة بين اللثة والوجنة ليتم الامتصاص بشكل أكبر، وعندما يختفي الطعم اللاذع من العلكة يقوم المدخن بالمضغ والاحتفاظ بالعلكة لإطلاق دفعة أخرى وتكرر العملية لمدة نصف ساعة تقريبًا إلى تنفذ كمية النيكوتين الموجود وهنا يجب التخلّص من العلكة، ويجب التنبيه أن مضغ علكة النيكوتين بسرعة قد يؤدي إلى تهيج في الحلق واضطراب المعدة وتمتد مدة العلاج إلى 12 أسبوعًا ومن الممكن استخدام قطعة كل ساعة إلى ساعتين ثم الحد تدريجيًا منها فتقل الأعراض الانسحابية ويستطيع المدخن ترك التدخين بسهولة.
ومن الأدوية الأخرى المتوفرة في السوق هي أقراص استحلاب تحتوي على النيكوتين ولا يتم بلعها أو كسرها وإنما تحريكها في الفم لحوالي 30 دقيقة فقط وهي قصيرة المفعول ولكن قد يعاني الشخص الذي يتناولها من غثيان وحازوقة وصداع وتستمر فترة العلاج بهذه الأقراص إلى 12 أسبوعًا.
ومن الأدوية الحديثة للإقلاع عن التدخين هو بخاخ النيكوتين الأنفي ولا يتاح إلا بوصفة طبية، حيث يقوم المدخن بوضع بخة واحدة في كل فتحة أنف ويعتبر الأسرع مفعولاً بين العلاجات، حيث يستخدم عند الرغبة الشديدة المفاجئة للنيكوتين ولكن يعاني الشخص الذي يقوم بوضعه على أعراض جانبية تتضمن رشح في الأنف والتهاب في الفم وإدماع العينين والعطاس ويستخدم هذا العلاج لمدة بين ثلاثة أشهر وستة أشهر ويمكن تكرار الجرعات في اليوم الواحد ثم الحد تدريجيًا كلما قلّت الرغبة في التدخين.
وفي الآونة الأخيرة، قامت الشركات الدوائية بإنتاج جهاز استنشاق النيكوتين، حيث يتم الحصول على جرعة النيكوتين عن طريق استنشاق بخار النيكوتين الخارج من خرطوشة داخل الجهاز. يدخل النيكوتين مجرى الدم، حيث يتم امتصاصه من خلال بطانة الفم والحلق. يجب الاحتفاظ بالبخار في الفم لبضع ثوان ثم نفخه؛ ويمنع استنشاقه حتى يدخل إلى الرئة كما هو الحال مع السجائر. يجب الامتناع عن الطعام والشراب خلال 15 دقيقة قبل استعمال الجهاز أو أثناء استعماله. تنفد جرعة النيكوتين من الخرطوشة بعد 20 دقيقة من الاستنشاق المستمر وتستمر مدة العلاج من ثلاثة إلى ستة شهور.
أما النوع الآخر من الأدوية هي الأدوية التي لا تحتوي على نيكوتين، أما أول دواء فهو بوبروبيون (زيبان)، حيث يبلع الشخص قرصًا واحدًا في الصباح وقد يُؤخذ مرتين حسب الوصفة الطبية ويفضّل عدم أخذها وقت النوم لأنها تسبب الأرق ويحتاج هذا الدواء إلى عدة أيام حتى يبدأ مفعوله ولذلك يفضل البدء بتناوله قبل التاريخ المحدد للإقلاع بأسبوع أو أسبوعين، ويتميز بأنه سهل الاستخدام ولكن قد يعاني المرضى الذين يأخذونه من أعراض جانبية كأرق وجفاف الفم والإمساك وتستمر مدة العلاج فيه لـ12 أسبوعاً وقد تمتد إلى 6 أشهر في بعض المرضى. أما الدواء الآخر فهو ما يُعرف بالشانتكس أو الفارينيكلين وهو متاح بوصفة طبية فقط ويستخدم بأخذ قرص في الصباح ويحتاج كما الدواء الأول إلى عدة أيام ليبدأ مفعوله ويتميز بسهولة الاستخدام إلا أن له أعراضاً جانبية منها الأرق والإمساك والغثيان وانتفاخ المعدة وتستمر فترة العلاج من ثلاثة أشهر إلى أكثر حسب الحالة.
وفي ختام هذا المقال، أود تذكيركم بأهمية استشارة الطبيب قبل تناول أي من العلاجات السابقة، فهذا المقال لا يشمل كامل التعليمات والاحتياطات والآثار الجانبية. ولزيادة فرصة النجاح في الإقلاع عن التدخين، يمكن الالتحاق ببرنامج مكافحة التدخين الذي تشرف عليه وزارة الصحة، وهو برنامج يتضمن دعماً من اختصاصيين مدربين على علاج إدمان التبغ. يمكن حجز موعد بعيادات الإقلاع عن التدخين بمختلف مناطق المملكة عن طريق الاتصال على 937.
** **
- مدينة الملك سعود الطبية