عبود بن علي ال زاحم
إن بلوغ أعلى معدلات الإنتاج ليس نتاج جهد فحسب، إنما هو انعكاس لفنون ومهارات الإدارة، فمن الممكن أن تُجبر موظفيك على بذل قصارى جهدهم العضلي والبدني دون أن تكون أذهانهم حاضرة، ودون أن يكون لديهم استعداد لتقديم أفكار مبدعة ومبتكرة، لذا تسعى الإدارة المرحة إلى النفاذ لجوهر الإبداع والابتكار لدى الموظفين، لا مجرد الجهد العضلي الخالي من الفكر.
الإدارة المرحة تسعى إلى تحويل العمل إلى فن وشغف ونشاط إبداعي، ولكي تتمكن من تحقيق هذه الغاية فإنها تعمل، بكل الوسائل الممكنة، على التخفيف من حدة وضغط العمل.
ويؤكد مات وينستين في كتابه (الإدارة بالمرح) على أهمية الابتسامة لتحقيق التواصل المعنوي، وأثرها الإيجابي في حياة الناس، ودورها في تحسين بيئة العمل، وزيادة الإنتاجية بمختلف منظمات ومؤسسات المجتمع، وذلك عندما ذكر أن (الضحك لغة عالمية يتكلمها ويفهمها مختلف الأفراد في مختلف الأعمار، ومختلف القارات؛ فعندما يشترك اثنان في الضحك يقام بينهما جسر معنوي، وقناة اتصال تنقل رسالة غير منطوقة مفادها: «نحن بشر سواء، وإن اختلفنا في المراكز، أو المؤهلات، أو غير ذلك، فلسنا غرباء بعضنا عن بعض»).
المرح في العمل ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو مدخل يفضي إلى الهدف الأكثر عمقًا، وهو كسر حاجز العزلة بين بيئة العمل المصطنعة وحياتنا الطبيعية، أي أن المرح في هذه البيئة ضرورة لا رفاهية، لأنه يؤصل في المرء الشعور بالرضا عن الدور الذي يقوم به في محيط عمله.
إن نشر المرح وإشاعة البهجة يتعارض مع الجدية والتركيز، مفهوم خاطئ يجب على القادة الابتعاد عنه؛ فالمدير التقليدي عندما يرى موظفًا في حالة استرخاء يتهمه بالإهمال! وإذا ضبط أحدهم بالمزاح الهادف فيتهمه بتبديد وقت العمل. لكن هذا لا يعني أن يتحول المرح والضحك الهادف إلى سخف ودعابات سطحية، تتحول مع الوقت إلى استهتار وعدم التزام. إن ما نعنيه بإدارة المرح هنا، هو بناء بيئة عمل محفزة بعيدة عن الروتين والعنف وحرق الأعصاب، وقريبة من التفاعل والتناغم، ومفعمة بالروح الإنسانية المرحة التي فطرنا الله عليها.على قادة المنظمات صبغ ممارساتهم الإدارية بقليل من المرح للحصول على فرق عمل متناغمة ومرتفعة الأداء، لا تحتاج إلى تطبيق ما يسمى بإدارة الضغوط، لأن معنويات أفرادها مرتفعة، وليست بحاجة إلى برامج تدريبية، ومحفزات خطابية لدفعها للعمل والإنجاز في مختلف الظروف. وهذه الفرق الباسمة يسودها ولاء من نوع مختلف، إنه ولاء طويل المدى في منظمة لا تعاني من تسرب بعض الموظفين، وتوتر بعضهم الآخر.
وإذا كان القائد يرجو لشركته أن تتفرد بتقديم خدمة ممتازة للعميل، فعليه أولاً أن يُولي الدرجة نفسها والنوعية نفسها من الاهتمام والتوقير للعميل الداخلي (الموظف) لا ينتظر منه أن يمنح العميل خدمته مغلفة بابتسامة ما لم يمنحه هذا القائد ما يستحق الابتسام.عندما تشجع بيئة العمل الموظفين على الاحتفاء بنجاحاتهم، وعندما يلقى المرح الاستحسان والتقدير يتغلغل في المؤسسة روح الاعتزاز والثقة بالنفس.
هناك مدخلان لترسيخ المرح في بيئة العمل الأول: الاهتمام بالموظفين والتعامل مع كل فرد منهم كإنسان يهمه أمره لا كآلة لا يرى فيها سوى معدلات إنتاجها. وثانيهما الأخذ بزمام المبادرة بالتخلي عن سياسة القبضة الحديدية التي تضعف الإنتاج وتؤدي إلى تسرّب الموظفين الأكفاء، وبث روح المرح في المؤسسة.
الخروج من قالب الجدية المصطنعة ومظاهر الوقار المفتعلة يحتاج إلى حيل كثيرة لبث روح المرح وإشاعة البهجة في نفوس من يعملون معك، لأن الإنسان بطبيعته يقاوم الخروج عن المألوف، ويخاف من التجديد لاسيما في السلوكيات والعلاقات، مثل المسابقات والتحفيز بالجوائز، ودعوات الغداء فإن ذلك يزيل الحاجز النفسي بين الإدارة وبقية الموظفين وينمّي روح المشاركة التي تتخطى الرسميات، وتزيل الهيبة المفتعلة التي تصطنعها المناصب. كما أن الإتيان بتصرفات عفوية وفطرية بعيداً عن الروتين اليومي وإشاعة المرح بين الموظفين يكسر الرتابة التي تتسم بها الاجتماعات الدورية، وتخفف من حدة التوتر التي قد تسود عندما تتباين الآراء، ويجعل ذلك الموظفين يعودون إلى الانتباه والنشاط.
وينبغي على الإدارة الناجحة إذابة الجليد الذي يحول بينها وبين مرؤوسيها وإشاعة الطمأنينة لديهم، وإشعال حماسهم للعمل وزيادة الإنتاج، كما يجب عليها التخلص من مظاهر البطولة الزائفة وتبني شعار: «العمل من أجل الفرد لا الفرد من أجل العمل».
ختاماً إن الإحساس بالبهجة والانطلاق، يُحفّز الموظفين إلى تحويل مكاتب الشركة إلى جنة، والعمل إلى متعة حقيقية.