الأنصار: هو اسم إسلامي، سمَّى به الله -عَزَّ وَجَلَّ- الأَوْس والخَزْرَج وأبناءهم وحلفاءهم ومن تبعهم، وقد صار هذا الاسم واللقب خاصًّا بهم ويُعرفون به، وهي تسمية إسلامية خصهم الله بها لنصرتهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولقب لهم ولأبنائهم ومن حالفهم، وهو اسم صدق يبقى مجده ما بقيت الشُّم الرواسي، ولا ينقطع رسمه وذكره إلى يوم القيامة، فصارت تلك اللفظة وكأنها نسب أو علم من أعلام القبائل(1)، والذي يُلاحظ أن لقب الأنصار، دونه العلماء والمؤرخون كنسب ومُسَمَّى قَبَلي يُعْرَفون به(2)، وقد خصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجبًا لمعاداتهم لجميع الفرق والقبائل من عرب وعجم(3).
قال العيني: فسماهم النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- الأَنْصَار، فَصَارَ ذَلِك علمًا عَلَيْهِم، وَأطلق -أَيْضًا- على أَولادهم وحلفائهم ومواليهم.
وَيُقَال: سماهم الله تَعَالَى بذلك فَقَال: {... وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (الأنفال: 74). ينظر: عمدة القاري: (1/ 151).
وعن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يا معشر الأنصار، إن الله -عَزَّ وجَلَّ- قد أدخل قلوبكم الإيمان وخصكم بالكرامة، وسماكم أنصار الله وأنصار رسوله»(4).
وفي صحيح البخاري، برقم: (3776): عن غيلان بن جرير قال: «قلت لأنس -رضي الله عنه-: أرأيت اسم الأنصار أكنتم تسمون به أم سماكم الله -تبارك وتعالى- به؟ قال: بل سمانا الله -عز وجل-...».
قال عِيَاضٌ في «المشَارِقِ»: (2/ 310): «والأَنْصَار اسم إسلامي للأَوْسِ والخَزْرَج سُموا بهذا الاسم في الإِسلامِ فَصَارَ لَهُم كالنَّسب».
وكلمة الأنصار أصبحت عَلَمًا خاصًّا للأوس والخزرج ومن حالفهم دون غيرهم من القبائل، فقد ورد في بعض الأحاديث مُسميات بعض القبائل مستقلة عن مُسمّى الأنصار، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ...الحديث»(5)، وفي حديث آخر قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ حليفان، وبنو أميَّةَ وثَقيفُ حليفانِ»(6). وهذه القبائل قائمة بنسبها ومسماها الأصلي عن مُسمّى الأنصار (الأَوْس والخَزْرَج) في كتب أهل الحديث والنسب، وعلى هذا عامة النسابين(7).
وأيضًا- ورد في الشعر ما يؤيد ذلك، كقول حسان -رضي الله عنه- في مدح الأنصار:
سماهم الله أنصارًا بنصرهم
دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله واعترفوا
للنائبات وما خافوا وما ضجروا(8)
وكقول النُّعمان بن بشير الأنصاري:
يا سعد لا تُعِد الدّعاء فما لنا
نسب نجيب به سوى الأنصارِ
نسب تخيّره الإله لقومنا
أثْقِل به نسبًا على الكفَّارِ(9)
وجاء في «العقد الفريد» لابن عبد ربه: (3/ 288): «ومن الأَزْدِ الأنْصَار، وهم الأَوْس والخَزْرَج وهُما ابنَا حَارِثة بن عَمْرو بن عَامِرٍ، وهم أعزُّ النَّاسِ أنفسًا، وأشرفُهم هِممًا، ولم يؤَدُّوا إتاوةً قطُّ إلى أحدِ الملوك».
وورد في الدعاء للأنصار وأبنائهم: عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار»(10)، قال القاضي: «كان أبو بكر محمد بن عَمْرو بن حَزْم، يقول: أنا آخر من بقي من أهل هذه الدعوة، ما بقي أحد غيري، قيل فيه ما دل على أن أبناء الأنصار لم يدخلوا في الأنصار، ولهذا ذكرهم ثانيًا، ولا يُقَال كيف يدخلون في الأنصار ولم يكن منهم نُصْرَة؟ لأنه -صلى الله عليه وسلم- حين تلمظ عبد الله بن أبي طلحة، قال: «حب الأنصار التمر»، ففيه أنه من الأنصار ولم يكن منه نُصرة، وكان -صلى الله عليه وسلم- أخذ من تمرات العجوة ومضغه فجمعه بريقه فأوجره إياه فتلمظ الصبي وقيل له سَمه يا رسول الله، قال هو: عبد الله.
وقال القاضي -أيضًا: وإن قيل فلم يسمي ابن المهاجر مهاجرًا؟ قلنا لأن المهاجرين أسلموا في دارهم فمن هاجر بنفسه كان مهاجرًا، والأنصار أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فبايعوه على أن يمنعوه فيما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم فعقدوا له النُّصرة على أنفسهم فدخل في تلك البيعة أبناؤهم كدخولهم فيها كما يدخل أبناء أهل الحرب فيما يصالح الإمام إياهم مما يجري عليه أمورهم في المستقبل، فمثل ذلك الأنصار الصالحون على النصرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد قدومه عليهم ذلك فدخل فيه من حضر منهم ومن كان غائبًا منهم ومن سواهم ممن يولد إلى يوم القيامة(11).
... ... ... ... ...
الهوامش:
(1) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسل ام: (1/ 483 -484).
(2) كتابي جمهرة النسب: (3/ 619)، ونسب معد واليمن الكبير: (2/ 735)، لابن الكلبي، ابن قتيبة، المعارف، (ص ???)؛ ابن دريد، الاشتقاق، (ص???)؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد: (3/ 326 -328)؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب: (2/ 332- 346)، و(470 -471)؛ ابن عبد البر، الإنباه على قبائل الرواة، (ص???)؛ القلقشندي في كتابيه: قلائد الجمان: (1/ 364- 387)، ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، (ص87- 88)؛ أُسْد الغابة، الطبقات الكبير، الإصابة، الاستبصار، وغيرها من المصادر الأخرى.
(3) لوائح الأنوار السَّنية ولواقح الأفكار السُّنية، للسّفاريني: (2/ 82)؛ فتح الباري، لابن حجر: (1/ 63- 64)؛ شرح مسلم، للنووي: (2/ 64).
(4) أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، برقم: (1783)؛ الطبراني في الكبير، برقم: (6665)؛ البيهقي في دلائل النبوة: (5/ 180)؛ وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/ 31) وقال: رواه الطبراني وفيه رشدين بن سعد وحديثه في الرقاق ونحوها حسن وبقية رجاله ثقات.
(5) صحيح البخاري، رقم: (3321)؛ صحيح مسلم، رقم: (6599).
(6) السيرة النبوية، للنَّدوي، (ص147)؛ بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب، للآلوسي: (3 /335).
(7) الإكمال، لمغلطاي: (11/ 243)، (5/ 201)، (7/ 323)، (7/ 241).
(8) السيرة الحلبية، لبرهان الدين الحلبي: (3/ 92).
(9) ينظر: إمتاع الأسماع، للمقريزي: (9/ 170).
(10) أخرجه البخاري، برقم (4623)؛ مسلم، برقم (2506).
(11) المعتصر من المختصر من مُشْكِل الآثار، للقاضي أبي المحاسن: (2/ 371- 372).
** **
- بندر بن حسين الزبالي الحربي