عبدالرحمن بن علي التركي العمرو، رحمه الله بعدد ما أحبه محبوه وزيادة منك وفضلاً، رحمه الله بعدد ما أفاد منه تلاميذه وزيادة إنعامًا منك وكرمًا، رحمه الله ووالدينا بعدد رحماتك التي منها أن حبَّبته إلى خلقك، وحبَّبت خلقك إليه؛ إذ كان رحمه الله طوال حياته يألف ويُؤلَف.
عرفه مجايلوه ومجاوروه فأحبوه، عايشه معاصروه ومجالسوه فانبهروا من أدبه، وأشادوا بتواضعه وسَمتِه، أَنِسَ بِهِ أقرباؤه وذووه ففخروا به وتباهوا، وحُّقَّ لهم ذلك، رِضِي عنه والداه، واعتزت به زوجه، وسعدت به أرحامه، وزهت به أصهاره، وهامَ به هامَ أبناؤه وبناته.
عبدالرحمن بن علي التركي العمرو، رحمه الله إذْ كان في دنياه نسمةً مباركة، ورحل منها دِيمةً سحَّاء هادئة، لم يُتعِب في حياتِه، ولا في احتضاره ووفاته! كتب عنه وأجاد فارسُ الكلمة وعرَّابُ الحرف ابنُه صديقُه، جليسُه وخليصُه سعادةُ د. إبراهيم كتابةَ مكلومٍ ولم يترنَّمِ! ومع هذا كان ترنيمه عفوَ الخاطر بإلهامِ المرنِّم الراحلِ رحمه الله ووالدينا والمسلمين.
كتب عنه ابنه د. إبراهيم عزفَ الخلودِ، ولحنَ الوفاء، كتب عنه بقلمه الصادق الأسيف، كتب عنه «مايسترو الكلمة» كما لقَّبه الشيخ عبدالرحمن بن صالح الشبيلي رحمه الله فيما أخبرت ابنته المثقفة أ. شادن الشبيلي.
أجاد «مايسترو الكلمة» د. إبراهيم نقلنا إلى حياة والده الراحل المكافح الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن علي التركي العمرو رحمه الله ووالدينا والمسلمين، حياة مفعمة بالحب والعطاء، والعلم والتعلُّم والتعليم، حياة اجتماعية، علمية، أدبية، أسرية، ربَّانية، حياة الكتب والكُتَّاب، ومتابعة الطبعات، حياة الزيارات والجلسات، حياة المساجد والصلوات، حياة عنيزة ومزارعها وطلعاتها البريَّة، حياة الجلسات الصباحية، والضحوية، والعصرية والمغرية، والعشائية، حياة الأنس بمدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم، حياة الإحسانِ الظاهرِ منه والخفيِّ.
تنقل بنا الابن المحب الفاقد المكلوم في مجالسَ طالما عُمرت بالفقيد أبي إبراهيم رحمه الله ووالدينا والمسلمين، تنقل بنا في (مطلة) الأستاذ البطحي، إلى مجلس الوجيه عبد الرحمن البسام، إلى تجليات البرووف فريد الزامل التلميذ الذي غدا للفقيد صديقًا! تنقل بنا «مايسترو الكلمة» د. إبراهيم عبر صفحات الكتاب من صفحته الأولى إلى صفحته السابعة والثمانين بعد المئتين تنقلًا باهرًا شِعرًا ونثرًا، بين حوار وسرد، وقصص ماتعة، قصص تربط أبناء الأجيال، فيلتقي الحفيد بالجدِّ ومجالسيه عبر حروف الكاتب ومن استكتتبهم من النُّخَب العلمية في مختلف التخصصات، ومن رجال الأعمال، من الشباب والكهول، من الرجال والنساء، من الأقارب والمعارف، من... ومن... الذين جمعهم جميعًا حبُّ الفقيد رحمه الله ووالدينا والمسلمين.
رحل بنا الكتاب عبر صفحاته الورقية إلى صفحات نديَّة من حياة الفقيد الشيخ عبدالرحمن بن علي التركي العمرو رحمه الله ووالديه ووالدينا والمسلمين، صفحات ملؤها النور، بسيميائية الطمأنينة، يكسوها الوقار، ويدثرها البذل غير المحدود.
رحل بنا الكتاب المشفوع بالصور الفوتوغرافية المؤثرة رحلة التفاصيل الصغيرة، رحل بنا من عنيزةَ المولدِ والطفولةِ، إلى جدةَ السَّعي وطلبِ الكسب وحيِّ الرُّوَيس، فالرياضِ والهمة العليا الطموح والنفس التوَّاقة حيث كلية اللغة العربية، فحائل العطاء ومعهدها العلمي، إلى عنيزةَ المقامِ والاستقرار معهدا وسكنا وأهلا وزيارات، ومنتديات، إلى الرياضِ العنايةِ المركزةِ والرحيل! بعدما ذُهِل مجالسوه عصر السبت 1 / 1 / 1441هـ «بميلان رأسه جهة اليمين من غير أن يسقط فنجان الشاي من يده»() حسب رواية المكلوم إبراهيم! ليكون المآل إلى المدفن في عنيزة المولد!
رحلة أعادت من كان في لبنان مسرورا! عاد ليختم بصحبة من كانا روحًا واحدة في جسدين، جبر الله المصاب، وأعان على فقد الأحباب والأصحاب، أعانكم الله د. إبراهيم ووالدتكم الكريمة الخالة موضي بنت صالح الرعوجي، والإخوة والأخوات وكل المحبين، فقد عشنا معكم جميعا الأفراح والرحلة المديدة والختام والوداع عبر هذه الأسطر في الراحل الشيخ الأديب المعلم المبارك أبي إبراهيم عبد الرحمن بن علي التركي العمرو رحمه الله وأبي عبد الله وأمي نورة وأسبغ عليهم جميعًا شآبيب رحمته ونوره، ووالديهم وذرياتهم، والمسلمين، ما أصدق هذا الكتاب! وما أمتعه! ابتسمتُ معه وبكيتُ، وتجلَّيتُ ورحلتُ وطوَّفتُ وعُدتُ! كلُّ هذا مع حرفك الأنيق أيها النبيل وذلك: حينما تُسيلُ الحروفُ الدموعَ!
** **
أ. د. إبراهيم بن عبد الله بن غانم السماعيل - الأستاذ في كلية اللغة العربية - جامعة الإمام - رئيس مجلس نظَّار أوقاف الشيخ عبد الله بن غانم السماعيل رحمه الله