صدر للشاعر محمد الخليف ديوان «تغاريد شاعر» في 231 صفحة عن شركة تكوين العالمية «جدة» ط1 سنة 1443هـ. ويتضح من عنوانه الذي هو عتبته الأولى، أن ما ورد فيه من مقطعات أو قصائد كانت في فضاء تويتر، الذي أصبح متنفساً حراً للبوح والكتابة والتواصل مع عدد كبير من القراء بطريقة سريعة سهلة.
وجاءت فكرة الغلاف الذي صممته ابنة الشاعر منار، مستوحاة من تطبيق تويتر وطائره الأزرق، ثم مقدمة ضافية لسعادة أ.د. عبدالله الحيدري الذي تحدث فيها عن الشاعر ومعرفته به وعن تجربته الشعرية الممتدة لأكثر من 35 عاماً، فكانت شهادة توثيق لشاعر مميز ملأ ساحة الأدب، وبخاصة الشعر بقصائد متنوعة بين الوجدانية والوطنية والإخوانية. فالقارئ يتنقل مستمتعاً بين هذه التغاريد الشعرية التي تشاركه يومياته وأحداث عصره ومواقف إنسانية متنوعة، وتجارب وجدانية عاشها الشاعر فألهبت روحه وأشعلت قلبه فصدح بهذه الأبيات.
قسم الشاعر الديوان لقسمين:
1 - تغاريد شاعر: هي ما قاله الشاعر في مناسبات وطنية واجتماعية، ودينية، أو تجارب وجدانية، أو مناظر طبيعية، أو صور لافتة.
ويبدو من الإهداء أثر ملهمته في تغاريده الشعرية التي نسجها لأجلها، فجاءت التغريدة الأولى صدًى لذلك ورداً عليها حين تساءلت في تمنع ودلال قال:
قالت «أتهدي وردة ذبلانةً
لي والمحبة تكتوي بضرامها؟
فأجبت كلا لم تكن لكنها
بُهرت بحسنك فانحنت بقوامها
2 - ردود تغاريد: هي أبيات كتبها الشاعر رداً على بعض شعراء تويتر، وتفاعلاً مع ما يكتبونه فيه، ومشاركة وجدانية لهم. وهنا تظهر قدرة الشاعر على مواكبة هذه التقنية الحديثة التي تتطلب سرعة الاستجابة والمشاركة، وارتجال الشعر في ساعته دون انتظار، وفي موضوعات شتى لم تعجز موهبته العالية إزاءها.
وسأقف عند خمسة ملامح لحظتها في هذا الديوان:
أولاً - الروح الشفافة المحبة الرقيقة الصادقة المتسامحة المتغاضية عن زلة الحبيب وقساوته:
شتان ما بيننا في الشوق من سبل
ما زلت في الحب تقصيني وأدنيها
ويقول:
لو تعلمين هواه يا أملي
لم تسرفي في الصد والعتب
ويبلغ الشوق مبلغه من نفسه فيناديها لتدركه وتعانقه:
الشوق ينهش في روحي فآويني
واستدركي القلب من أعقاب كانون
فلتدفئي القلب في جنبيك ملتجئا
وعانقيه كما ليلى ومجنون
وهو يفدي الحبيبة ويشتاق إلى لقائها والتمتع بقربها ليطفئ شوقه العارم لها:
أفدي العيون التي بالسحر تغريني
وخافقاً نبضه في القلب يحييني
متى ترفرف أنسام تعانقني؟
كي تطفئ الشوق إن الشوق يكويني
والحب عنده ليس بين حبيبين فحسب، بل يكبر في دائرة أوسع، مستمداً ذلك من دين الإسلام، فهو يدعو الناس للتحاب بينهم ونبذ الفرقة والكراهية:
أحبوا بعضكم حبا غزيرا
فإن الموت لا يعطي نذيرا
وغضوا الطرف عن أخطاء بعض
فقولك ليت لا يغني نقيرا
وجودوا بالسماح وبالتغاضي
فإن العمر لا يبقى كثيرا
ثانياً - الوطنية المتجلية وروح الانتماء للوطن الكريم، فللشاعر مشاركات في مناسبات وطنية عديدة كان شعره يسجلها ويسقيها من روحه محبة لوطنه ولولاة أمره ولدينه، وقد أخرج الشاعر ديواناً كاملاً سماه «سعوديتي»
يقول عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله-:
تربع فوق عرش من قلوبِ
فأنت مليك أخلاق وطيب
وأنت الخادم البيتين فيها
فما أبقيت من شرف قريب
فدم للعز والأوطان شمسا
تضيء لنا المسيرة في الدروب
والوطن مهبط الرسالة وأرض الفخار والبيت الذي يأوي إليه بقلبه وكيانه:
يا مهبط الوحي العظيم وآيه
يا مدرج المختار للأكوانِ
أرض الرسالة والبطولة والهدى
وحمى الفضائل في شريف معاني
بلدي وأرضي والفخار وقبلتي
بيتي وموئل مهجتي وكياني
ثالثاً - الحكمة: التي يبثها الشاعر في طيات هذا الديوان، ولا غرو في هذا، فالشاعر تربوي مارس التعليم والإشراف التربوي والتدريب، ومر بتجارب عديدة في عمله وحياته، انعكست على شعره:
تمتع بالقناعة فهي كنزٌ
يحيل الجدب واحاتٍ ظليلة
والدنيا لا تستحق الحزن والهموم وعلى المرء التدرع بالصبر والثبات:
لا تغرق الأنفاس بالأحزان
ودع الهموم طليقة الجنحان
حصن فؤادك عن هجوم همومه
بثباته كالدرع في الميدان
فالسفْن كم تهوي إلى قيعانها
بتسرب الأمواه للأركان
ويرى أن عليه النظر لعيوبه وإصلاح أمره وترك الناس لأن لكل واحد عيوباً:
ما عدت يوما عائبا أحد الورى
ولقد علمت بأن فيّ عيوبا
يكفي تأملها لأصلح أمرها
وكذا لنفسي أحسن التأديبا
ويقول:
مروا على الأحزان مرّ كرامِ
وتشبثوا بسعادة الأيام
ما هذه الأيام غير صحائف
تُطوى الغداة كلمحة الأحلام
رابعاً - الموهبة العالية التي تتماهى مع الشعراء الآخرين بمشاركتهم والرد عليهم على أديم الطائر الأزرق «تويتر»، وهذا يتطلب موهبة حاضرة لا يعجزها الرد والقول في مناسبات متنوعة يثيرها شعراء «تويتر»، وكان بيني وبينه ردود متعددة، كان يسعدني بها ويتحفني بأبيات جميلة.
من ذلك رده على حضور الشعر وعصيانه عند إنشائه:
بعض القصائد كالأنسام مرسلة
تعانق الشوق والآمال والتعبا
وبعضها كلظى النيران لاهبةً
تعذب الروح والهدآت والعصبا
وبين تلك وهذي زمرة وسطٌ
تبغيك تطلبها كي تقبل الطلبا
ويقول رداً على الشاعر فواز اللعبون، حين قال:
لو أنهم يعرفون الحب ما سخروا
من عاشق دمعه في الليل هتانُ
فقال:
يجرّعون أسير الحب من غصص
أما كفاهم لهيب الصحب إذ بانوا
فابسط على ظالميك الكف علّهمُ
تصيبهم مثلما بالصب أشجانُ
خامساً - الشعر الأسري الذي يتحدث فيه الشاعر عن أسرته: والديه، وأبنائه، ويكن لهم الحب الكبير، كقوله عن والده -رحمه الله-:
وكنت تظلني في كل حال
وكنت أزيد في طلب الدلال
وكنت أظن أن الكون ملكي
وأنت بجانبي خصب المجال
وحين كبرت كي أسقيك برا
مضيت إلى المهيمن ذي الجلال
وعن أمه -رحمها الله- يقول:
أقول أحبك أمي
وأنت مهجتي رسمي
إذا ما جئت مغموماً
تلاشى عندها غمي
وفي أحضانها أغفو
فينأى عن غدي همي
إذا ما قيل ما الدنيا؟
أقول بأنها أمي
ويلتفت لأولاده فيبثهم حبه لأنهم فرحته ونعمة الله العظيمة التي زينت حياته:
يا فرحة ونجوما لحْنَ في الظلم
يا مهجتي وضيا روحي ويا نغمي
بشمسكم ستظل الروح مشرقة
يا منحة الله في دنياي كالنسم
كم للمهيمن من نعماء ظاهرة
وأنتمُ عالمي المملوء بالنعم
تلك قراءة سريعة لديوان تغاريد شاعر، ويمكن للقارئ العودة إليه، والاطلاع على ما يزخر به من أغراض شعرية متنوعة من شاعر متمكن، كتب الشعر مبكراً، وأصدر ديوانه الأول «خطى وانتظار» عام 1412هـ.
** **
- د. عبدالرحمن بن إبراهيم العتل