ـ كما هو الحال في مسرحية (الأشجار تموت واقفة) لمؤلفها الشاعر الإسباني اليخاندرو كوسونا 1949 م، أتى الحال ليموت الغوينم واقفاً، تلك هي أعماله كنخلة مسرحية في الأحساء مثمرة فنيةً وثقافيةً، مات بعد أن جعل موهبته وهامته منتصبتين أمام الرياح العاتية والعواصف منتصراً لعطائه الفني الذي دأب ينشره على مسارح المملكة مضحياً بنفسه من أجلها، لن انساك يا علي وأنت الذي أخرجت لي ثلاث من مسرحياتي الاجتماعية للكبار (وكانت لنا أيام، جابوه الرجاجيل، كائناً من كان) ولن أنسى استضافتك لثلاث من مسرحياتي للأطفال بدعوة كريمة منك لعرضها على مسرح جمعية الثقافة والفنون بالأحساء (شريخ الشرخ، هات الطاقية، هموم عكسوم) بعد رحيلك أيها القامة المسرحية طاح الورق، جف المطر، وامتدت الدنيا حزن، وكل شيء كئيب، قبل رحيل الغوينم (صباح الثلاثاء الخامس عشر من مارس من هذا العام) كان معلماً ثم متقاعداً وكان مديراً لجمعية الثقافة والفنون بالأحساء، مارس الإخراج المسرحي بعد تخرجه من الجامعة 1403 هـ واستمر حتى وفاته، عاشت الجمعية تحت إدارته أزهى سنواتها العشر الماضية، حيث أضاف إلى جهود من سبقوه جهوداً أخرى اتسمت بالحضور اللافت لنشاط الجمعية، كان يرسل لي عبر الواتساب كل الأعمال المختلفة والنشاطات التي يؤديها الناشطون في الثقافة والفن بداخل الجمعية وخارجها، كان هاجسه الفن الواعي المنطلق من جذورنا وثقافتنا المحلية بدءاً من الحي والحارة واستجلاب الحكايات الشعبية على المسرح، ذهب أبو عبدالرحمن وهو لم يكمل بعد حديث الحارة ونبض أهلها والذي شرع في كتابته من سنوات قليلة، ذهبت روحه الجميلة وشخصيته الجذابة المتحركة المحرضة على الإبداع، ذهب ذلك الجميل وبرحيله المفاجئ أحدث هزة عنيفة في قلوب محبيه الكثيرين الذين عرفوا فيه حسن الخلق ولين الجانب والتواضع الجم، الحقيقة تعجز الكلمات عن وصف مشاعر الفقد والفراق على عزيز جمعتني به والفنان الممثل الكبير والمعروف (راشد الشمراني) أيام جميلة وذكريات عطرة بالمحبة والإخوة الصادقة تزينت بالاحترام المتبادل، علاقة بدأت 1398 هـ داخل أسوار جامعة الملك سعود في مبنى كلية التربية وداخل فصول قسم علم النفس، تخرجنا سوياً واستمرت علاقتنا دون انقطاع، أللهم اجعل علي الغوينم في قبره يتقلب بين أعطاف النعيم وجوانب الترف حتى تكرمه برؤية وجهك الكريم، اللهم اجعله من عبادك الذين زكيت أنفسهم وطهرت أجسامهم ورفعت مانتهم واصطفيتهم لجوارك يا رب العالمين.
** **
- مشعل الرشيد