لطالما ألهمت الثقافات المتجاورة بعضها البعض وأثرت ذواتها بصورة هائلة بفعل هذا التلاقح الحضاري، وفي كل حديث عن ثراء الثقافات الإنسانية نرى الثقافة الشرقية بتعددها وتنوعها أكثر الثقافات انسجامًا، فكأنها ولّدت من اختلافها ائتلافًا حتى انصهرت في بعضها البعض مكوّنة صورة ثقافية رفيعة بامتدادها المعنوي وثرائها الروحي وعمقها الأنطولوجي.
هذه مقدمة يسيرة أردت من خلالها أن أستكنه رمزية البلبل والوردة التي استقتها الثقافة التركية من أختها الفارسية ونسجتها شعرًا رفيع ًابأحرف واصطلاحات عربية تجسد هذا التمازج في صورة بلاغية غاية في الجمال، ومن سمات الأدب التركي/الفارسي أنه مغرق في الصور والرموز التي يراد منها إذكاء ملكة التأويل بما يتيح للمرء تجربة ذوقية خاصة..
فما معنى هذه الرمزية وكيف نستكنه منها معاني الفن الشرقي متى وجدت على أعتابها؟ إن البلبل والوردة هنا مثالًا على علاقتين مختلفتين إحداها فنية والأخرى صوفية ، فالبلبل في الأولى مثالًا للعاشق ورمزًا دالًا عليه، والوردة مثالًا للمحبوبة ورمزًا دالًا عليها ، وكلاهما في صورتهما الفنية هذه مكوّنان أيقونة للعشق ورمزًا للجمال وقد يأتي البلبل منفردًا فيكون له دلالة خاصة وتأتي الوردة منفردة فتكون أيضًا دلالة خاصة وقد تكون الوردة بأشواكها مثالًا على قسوة المحبوبة وقد تكون وردة ناعمة مثالًا على رقتها وكل تلك الرموز بتعددها واختلافها تكتسب معانيها ويعود تأويلها على حدس الناظر وتذوقه الفني.
أما العلاقة الصوفية فهي لا تخرج عن إطار العشق الإلهي الذي يشبه به المؤمن بالبلبل الذي لا يفتأ ينهل من رحيق الوردة ويبث شذاها نغمًا رقيقًا تحتشد في رمزيته هذه حواس عدة تدلل على تنعّم المرء متى وحّد قبلة قلبه ونهل بجمعية حواسه من معين واحد.
هذه باختصار دلائل رمزية البلبل والوردة الكلية والتي تتعدد جزئياتها باختلاف الناس وتجاربهم الروحية وأذواقهم الخاصة..
** **
- سماهر صالح