عبدالمحسن بن علي المطلق
سبحان الله لا شيء ثقيل كوزن نوعية من (الذكريات) وقد ذهب مع زمانها ومكانها قطّان.. عمرو تلكم أكثر مما عمروها
فهل نعجب أو نقف وقفة وآجم على ما يرومه المتنبي وهو يبثّ:
(أقفرت) أنتِ وهنّ منك أواهلُ
.. ولئن كان بختيارك العودة للمكان واستجلاب وجه من الزمان مقارباً، أو كذا تزعمه بقايا أخيلتك حول القوم، إلا أن ما يفيقك عن مبلغ كل جوّ داكمُ ما تلفاه ك-و هو الأهم-همُ من خالطوك فأنشئت تلكم
«الذكريات» في حضورهم وحبور ما أودعوه في كننك لهم
فكأن تلكم تردفها لتنادي بوادي لا صدىً يوصل، ولا أنين معزّي.. على الأقل يردّ لك أن لا أحد هناك فتقنع وتبلع ما أنت فيه- و لو على مضضٍ!
هنا استحضرت المعنى العميق ببيت «كثيّر»
ما كنت ادري قبل (عزّة) ما البكا
ولا(موجعات) القلب.. حتى تولّت
لأن غيابها - لديه- يعني غياب أثير جانب دنيا كانت تملأ على سهل حياته.. والجبلُ
وهنا أيضاً لكأنّه سلّم إلى لمدى ذاك الوثير الذي كان يمدّ أنسه بالحياة، والتي بلا شك أمست كالحة، وربما ثقيلة الحركة، وهذه يشرحها قول ابن زيدون:
إن يطل بعدك ليلي، فلكم
بتّ أشكو (قصر..) الليل معك
وبهذه الجزئية بركة، فكم هي خُطى العمر بعهد الشباب تعجّلت، مقابل خُطىً مثل مسافتها في المشيب.. وبطئها (رغم أن الأيام هي الأيام).
إذ
عدا أن مضيّها مع الأحبة بيّن واضح عن صرفها على فراغ بعدهم، وبُعدهم
هنا تجده ثقيل الحركة، ولن أغالي بالقول قليل البركة
على أن انصرام ذلك يعادله طيّ عمر كان مليئاً بهم.. أنيساً بحضرتهم، فحسبه (شروق) البهجة التي في عيونهم، ولا غرو
فكم من (ثمين) لا تعرف قدره إلا إن فقدته!
ولعل من هذه أُنشئت مقولة:
(كثرة الإمساس تقلّل الإحساس).. به طبعاً، وأهل نجد- للِهِ درّ بعض أمثالهم- قالوا:
اللي مهو لك.. يهولك!