عند انتقالِنَا إلى منزلِنَا الجديد..
لم يَكُنْ جديدًا على أيّ حال..
لكننا اشتريناه ورَمَّمْنَاه..
ورقُ الحائطِ القديمِ كان جميلًا بما يكفي لإقناعِنَا بِعَدَمِ استبدَالِه..
كانَ يُخيَّلُ إليَّ أحيانًا أنَّه يَبْتَسِمُ عندَما نَكونُ مُجتمعين حَولَ مَائدِة العشاء!
أُمِّي كانتْ تضحكُ مِنْ تَصورَاتِي وخَيالاتي الكثيرة..
عندمَا ماتَ أخي بحادثِ سيرٍ مُرَوعٍ كانَت أُمي تَبكي مُتألمةً مُتكئةً عَلَى زَاويةِ غرفتِها..
دَامتْ على هذا الحالِ أيامًا طويلة..
فيما بَعْدُ لم أَجْرُؤُ عَلى سُؤالِها:
هَلْ كانَ الحائطُ يواسيها؟!
.....
- حمى الماضي
مازالت تلكَ الخيالاتُ تُلاحقني..
هؤلاءِ الأقزامُ الملونينَ الْمَرِحين،
وَتِلكَ الحشرةُ البغيضةُ التي تُراقبُ بحذرٍ وَتَوَجُّس..
وذلكَ الرجلُ الذي يجلسُ مُمسكًا بِكتابِه، وكلُّ فترةٍ يُعدِّلُ نَظَّارَتَه عندما تَنزلِقُ على أَنْفِه..
يقولونَ: إنَّ هذا مِنْ تأثيرِ الحُمَّى التي أَصابتني وأنَا صغيرة..
لقد كَبُرْتُ وزالتِ الحُمَّى..
ولكن، كلُّ ليلةٍ وعندما يغفو الجميع..
ومَنْ ثَقَبَ مَا في زاويةِ سَقْفِ الغُرفةِ يخرجونَ ويُمارسونَ طُقوسَهم:
الأقزامُ يَتراقصونَ وَيَتَشَاجرونَ حَوْلَ أمرٍ مَا لا أفْهمُه..
الرَّجلُ يَقرأُ كتابَه وهو يُحرِّكُ نَظَّارَتَه وينظرُ إليَّ بابتسامةٍ غامضة..
الحشرةُ تَبتلعُ شيئًا ما اصطادَتْه..
أتصببُ عَرَقًا وأنا أُراقبُهم!
** **
- د. شيمة الشمري