الهادي التليلي
في حين ينشغل العالم بالأزمة الروسية - الأوكرانية وما يمكن أن تتولد عنها من حرب عالمية ثالثة أو سلم مؤقت، شهدت العاصمة البلجيكية انعقاد الدورة السادسة لقمة المشاركة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي تحت عنوان «إفريقيا وأوروبا.. قارتان برؤية مشتركة حتى 2030» خلال يومي الخميس والجمعة 17و18 فبراير المنقضيين بمقر الاتحاد الأوروبي، هذه القمة تأتي في توقيت شديد الأهمية أمام ما يهدد القارة السمراء من تحديات وصعوبات في المرحلة المقبلة وما يهدد الاتحاد الأوروبي ومصالحه في هذه القارة الشابة أمام التوسع الاقتصادي الذي يخفي وراءه أشياء أخرى للتنين الصيني والدب الروسي حسب تعبير بعضهم.
للتاريخ هذه القمة التي تعقد دورتها السادسة بمشاركة قادة وحكومات ومسؤولين عن 50 دولة من القارتين كان للقاهرة المصرية شرف عقد دورتها التأسيسية سنة 2000 التي شهدت تركيز بناء لوائح تأسيسية لهذه الشراكة تلتها دورة لشبونة البرتغالية في 2007 حيث احتفى المشاركون بالإستراتيجية المشتركة بين أوروبا وإفريقيا فيما كانت الدورة الثالثة بطرابلس الليبية في 2010 حيث كان التركيز على المضامين كالهجرة والتجارة وحقوق الإنسان وغيرها.
لتأتي الدورة الرابعة في بروكسل البلجيكية سنة 2014 محتضنة الدورة الحالية أيضا حاملة حلم خارطة الطريق الأوروبية المشتركة التي تعرف بخارطة طريق 2014 - 2017 وهذه الدورة التي شهدت رقمًا قياسيًا في عدد المشاركين الذي بلغ حينها 80 دولة وذلك قبل الدورة الخامسة التي سهرت أبيدجون عاصمة الكوت ديفوار على إنجاحها رغم التحديات الجيوسياسية التي شهدتها القارة السمراء في 2017 وكانت دورة عنوانها الرئيس «دور الشباب في البناء والتنمية المستدامة».
الدورة السادسة التي على الصعيد العربي شهدت مشاركة الزعيمين المصري عبد الفتاح السيسي والتونسي قيس سعيد كانت واعدة وفاتحة الأبواب أمام طموحات مشروعة، فالوفد المصري حضوره كان مهما جدا باعتبارها ستترأس قمة المناخ المقبلة ومن بين أهم محاور القمة الأوروبية - الإفريقية المناخ والسلم والشراكة الاقتصادية وغيرها وهي مسائل تهم الطرف المصري أيضا باعتبار حجمه ووزنه الإفريقيين زيادة على ما يتيحه الهامش من لقاءات وبوابات شراكة مهمة جدا على مختلف المستويات.
بنفس العمق كانت المشاركة التونسية من خلال الحضور اللافت للرئيس قيس سعيد الذي قدم للمشاركين في القمة الوجه الجديد لتونس المعاصرة، ما بعد حكم الإخوان، كما استطاع الوفد التونسي أن يفتك نصيبا من منحة الاتحاد الأوروبي لتصنيع أدوية كوفيد - 19 بالقارة الإفريقية رفقة مصر ونيجيريا والسنغال وكينيا، إضافة إلى لقاءات عديدة مع عدد من الزعماء والحكومات مما يبشر بالكثير لتونس الجديدة
في الحقيقة كل المشاركين في القمة قلوبهم على الواجهة الأوكرانية لاعتقادهم بأن ما يحدث في هذه القمة لا قيمة له إذا ما اندلعت حرب عالمية ثالثة لأن قارة أوروبا هي المعنية الأولى بهذه الحرب، كما أن التاريخ أكد دائما أن شعوب القارة الإفريقية هم حطب حروب أوروبا.
القمة كانت على غير العادة وذلك لعدة أسباب أهمها سياسات أوروبا ذاتها في إفريقيا التي تعرف بسياسة الناهب المبتسم كما أن تدخلات بعض دول أوروبا على غرار فرنسا في سياسات عدد من البلدان من هذه القارة وليس أدل على ذلك من طرد السفير الفرنسي من مالي ومطالبة كل الأطراف المتنازعة في هذا البلد من الجنود الفرنسيين بالرحيل الفوري وكبرياء الديك الفرنسي يوهم نفسه أنه متواجد برغبة الدولة ذاتها التي طردت سفيرها.
إفريقيا في الواقع تحتاج من أوروبا أن تدعها وشأنها وألا تتدخل في شأنها الخاص وتكف على نهب ثرواتها وفسح المجال لها خارج دائرة إشعال الحروب العرقية مثلما كان سابقا بين الهوتو والتوتسي أكثر من هذه القمم التي هي في الواقع رسائل للطرفين الروسي والصيني أكثر مما هي جهد تنموي للنهوض بقارة أنهكها الاستعمار والتدخل الخارجي.