بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة وفقه الله، اطلعت على صحيفة الجزيرة في عددها رقم: (17964)، الصادر يوم الثلاثاء 19 شعبان 1443هـ، الموافق 22 مارس 2022م، على مقال بعنوان: (وقف عامر: وثيقة وقفية مهمة في تاريخ عودة سدير)، بقلم الأخ الدكتور: حمد بن إبراهيم بن عبدالله بن ناصر العمران، وهي مقالة مطوّلة، استعرض الكاتب فيها إحدى الوثائق التي تطرقت لنخل القرادي في عودة سدير، والوثيقة منقولة مرتين، ولم تتضمن أي تاريخ، والنسخة المنقولة مختومة بختم القاضي عثمان بن منصور.
وما دفعني للرد على هذا المقال وهو لبنة الموضوع وأساسه، هو نخل القرادي، وهو أحد أملاك أسرة الفيصل منذ أكثر من قرنين ونصف القرن، ود. حمد -وفّقه الله- لم يشر إلى ذلك في مقاله، ونزولاً عند رغبة أسرتنا في إيضاح بعض الأمور، وخصوصًا النقاط التي لم يتناولها د. العمران في مقاله، رأيت التعقيب على الموضوع عبر عدة نقاط سألقي الضوء عليها من خلال محاور تتصل بشكل مباشر بالموضوع المطروح، وبناءً عليه أستعين بالله -عز وجل- وأقول:
أولاً: السبب الرئيس الذي جعلني أكتب هذا الرد، خلو الموضوع الذي كتبه أخي الدكتور: حمد، من معلومة مُهمّة ورئيسة فيما طرح هي أن نَخل (القرادي) ضمن أملاك أسرة الفيصل منذ أكثر من قرنين ونصف القرن؛ وذلك وفق الوثائق الموجودة لدى أسرة الفيصل، وهي أربع وثائق موجودة لدى الأسرة، وهي متاحة لمن أراد الاطّلاع عليها، وأهم وثيقة فيها هي الوثيقة الأقدم وهي الممهورة بختم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله-، الذي توسعت الدولة السعودية الأولى في عهده، واتسمت الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالاستقرار والازدهار.
وهذه الوثيقة الموقعة باسم الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود -طيب الله ثراه- موجهة إلى زيد بن سعيد بن سعيد بن حسين بن شماس من الوداعين الدواسر (جد أسرة الزيد التي تنتمي لآل سعيد الشماس في عودة سدير، الذي كان أحد فرسان الأمير عبدالعزيز بن محمد بن سعود، فكان لا يغزو غزوة إلا وفرس زيد بجانب فرسه(1))، وما تضمنته أنك تبلغ أخاك محمد بن سعيد بن سعيد بن حسين بن شماس من الوداعين الدواسر (وهو جد أسرة الفيصل التي تنتمي لآل سعيد الشماس في عودة سدير، وقد كان محمد أمير العودة في زمنه نهاية القرن الثاني عشر الهجري)، أنك تركز مئتي فرخ في القرادي ولا تزيد عليها.
وهذه الوثيقة إلى جانب الوثائق الثلاث الأخرى، أوردها بسبب مناسبة الموضوع المطروح لا من أجل مناقشة ملكية نخل القرادي، التي يعرف كل أهل العودة بأنها ضمن أملاك أسرة الفيصل، ومكانها معروف في عودة سدير.
ثانيًا: وصف نخل (القُرَادِي) كما جاءت في كتاب: (معجم عودة سدير)، للأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل، الذي يقول: «القرادي بضم القاف وفتح الراء بعدها ألف ثم دال مكسورة نخل لآل فيصل في العلاوة (أعلى العودة)، ويسيل هذا النخل من الجوفاء ويسيل أيضًا من الفريع عن طريق الوضيمة الجنوبية، وسمي القرادي بهذا الاسم نسبة إلى القراد، والقراد دويبة تلزق بالإبل، فقد تكون الأرض التي غرس فيها نخل القرادي كثيرة القراد لوجود الإبل فيها.
والقرادي بعيد عن وسط العودة، ولذلك قال فيه الشاعر راشد بن محمد بن دباس عندما كان يشتغل في الرياض، ويتمنى الإقامة في العودة:
ألا ليت من له في القرادي ربع مقراة
ولا كل يوم في معالي مبانيها
وفي المنطقة الشرقية قرية اسمها القرادي، فقد يكون الاسم منقولاً من هذا النخل في العودة إلى تلك القرية»(2).
ثالثًا: تضمن المقال المنشور صورًا لنخل القرادي، إلى جانب إحداثيات الموقع أرفق معها صورًا أخرى للنخل عبر نظام الأقمار الصناعية، وكنت آمل من أخي الدكتور: حمد، أنه استأذن من أسرة الفيصل أصحاب هذا الملك، قبل نشر هذه المعلومات والصور الدقيقة للمكان في صحيفة سائرة، ولا يخفى علينا جميعًا الأبعاد القانونية المترتبة على ذلك.
رابعًا: ورد في الوثيقة التي ناقشها د. حمد وفقه الله، ما نصه: «سعدون بن عامر: الابن الثاني لعامر صاحب الوقف، وهو والد عثمان بن سعدون الذي تولى رئاسة عودة سدير في زمنه»(3)، وقوله: «تاريخ وفاة حفيد صاحب الوقف عثمان بن سعدون بن عامر سنة (1181هـ)»(4)، ومما تجدر الإشارة إليه أن عثمان بن سعدون، كان أميرًا لعودة سدير في آخر القرن الثاني عشر الهجري، ورد ذكره في الكتب التي أرخت للدولة السعودية، يقول الشيخ: حسين بن غنام في كتابه: (تاريخ نجد) في أحداث سنة 1170هـ: «وتولى ابن سعدون حكم البلاد وجاهر بعداوة المسلمين، وبقي على ذلك عشر سنوات إلى أن قتل»(5).
أما الشيخ عثمان بن بشر، في كتابه: (عنوان المجد في تاريخ نجد)، فيؤكد مقتل عثمان بن سعدون في سياق حديثه عن أحداث سنة 1181هـ: «فخرج منصور ومن معه وأدخلوا الكمين في وسط البلد، فدخل ابن سعدون القصر وأغلق الباب، فنقبوا عليه من خلف القصر وقتلوه»(6)، وبالتالي يتضح أن عثمان بن سعدون الذي كان ضد الدولة السعودية قتل ولم تنته إمارته بوفاته كما ورد في المقال.
إن الحديث عن بعض الجوانب في تاريخ بلدة عودة سدير، ضمن إقليم سدير التابع لمحافظة المجمعة بمنطقة الرياض، يجعلنا نتأمل في صفحات تاريخ هذا الوطن بمختلف مناطقه شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، لنعرف حجم التضحيات التي بذلها قادة هذه البلاد الطاهرة منذ عهد المؤسس الإمام محمد بن سعود الذي أرسى دعائم الدولة السعودية الأولى مرورًا بالدولة السعودية الثانية، ثم الثالثة التي وضع لبنتها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، واستمرت نهضة هذا البلد على أيدي أبنائه البررة الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله، وصولاً حتى هذا العهد الزاهر عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يعاضده ويسانده سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظهما وأن يسددهما وأن يجزيهما خير الجزاء، وأن يسبغ على وطننا الغالي أمنه واستقراره إنه سميع مجيب.
(1) محاضرة للأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل، في بيت الضويحي التاريخي، نشرت بصحيفة الجزيرة، العدد: 15073، بتاريخ: 3 ربيع الأول 1435هـ.
(2) معجم عودة سدير، الأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل، الطبعة الأولى، الرياض، 1424هـ- 2003م، ص125.
(3) وقف عامر: وثيقة وقفية مهمة في تاريخ عودة سدير، الدكتور: حمد بن إبراهيم بن عبدالله بن ناصر العمران، صحيفة الجزيرة في عددها رقم: (17964)، الصادر يوم الثلاثاء 19 شعبان 1443هـ، الموافق 22 مارس 2022م.
(4) وقف عامر: وثيقة وقفية مهمة في تاريخ عودة سدير، الدكتور: حمد بن إبراهيم بن عبدالله بن ناصر العمران، صحيفة الجزيرة في عددها رقم: (17964)، الصادر يوم الثلاثاء 19 شعبان 1443هـ، الموافق 22 مارس 2022م.
(5) عودة سدير، أ.د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل، الطبعة الأولى، الناشر: الرئاسة العامة لرعاية الشباب: ضمن سلسة هذه بلادنا رقم (6)، الرياض، 1404هـ، ص33،32، وقد نقل المؤلف هذا النص ووثقه من كتاب: (تاريخ نجد)، للشيخ حسين بن غنام رحمه الله، بتحقيق: الدكتور: ناصر الدين الأسد، ص108.
(6) عودة سدير، أ.د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل، الطبعة الأولى، الناشر: الرئاسة العامة لرعاية الشباب: ضمن سلسلة هذه بلادنا رقم (6)، الرياض، 1404هـ، ص40، وقد نقل المؤلف هذا النص ووثقه من كتاب: (عنوان المجد في تاريخ نجد)، للشيخ: عثمان بن بشر رحمه الله، طبعة مطابع القصيم، 1385هـ، (1-62).