قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى
فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
بينما كنت أقلِّب في صفحات إحدى الكُتب، إذا بهاتف ابني الأستاذ عبدالرحمن يحمل نبأ وفاة الأخ العزيز صالح بن فهد بن ناصر الخليف (أبو فهد)، أحد جيران شقيقي عبدالله، الواقع سكنهما في حي «عليشة» غربي المستشفى المركزي بالرياض، الذي انسلت روحه الطاهرة إلى بارئها فجر يوم الأحد 3-8-1443هـ، وأديت الصلاة عليه بعد صلاة العصر في مسجد الملك خالد بأم الحمام، ثم وُورِيَ جثمانه في مقبرة الشمال، فتأثرت كثيرًا لرحيل ذاك الرجل الحبيب الذي سبق أن سعدنا بمجورته فترة طويلة من الزمن.. ومع جاره الأستاذ الصديق عبدالله بن حسن الجريبة (أبو فهد) الذي سبقه إلى مضاجع الراحلين - رحمهم الله:
تتابعَ إخوتي وَمضوا لأمرٍ
عليهِ تتابعَ القومُ الخيارُ
فالحياة الدنيا تجمع وتُفرق، فالسعيد كل السعادة من يرحل بزادٍ من التقى ليسهل عليه العبور على متن الصراط المستقيم إلى جنة الخلد والنعيم المقيم بمشيئة الله وفضله.
ولقد ولد عام 1358هـ، وعاش في كنف والديه وبين إخوته ومع رفاقه وجيرانه، وبعد بلوغه سن الرابعة ووفاة والده، انتقل للعيش مع خاله ووالده من الرضاعة الشيخ عبدالرحمن بن أحمد بن سعيد؛ المعروف بالتقى والزهد.
وقد بدأ الفقيد دراسته في إحدى مدارس الكّتاب لتعلم الكتابة وتلاوة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر من سوره.. ثم التحق بالتعليم النظامي في المعهد العلمي بالرياض. وفي عام 1377هـ التحق بالعمل الحكومي برئاسة القضاء (وزارة العدل حاليًا)، وهو العام الذي تزوج فيه من أم فهد (لطيفة بنت عبدالرحمن الحوطي) رحمهما الله، وكان محبوبًا لدى رؤسائه وزملائه وجيرانه، باراً بوالدته وبرفيقاتها، فقد تقاعد مبكرًا بعد مضي 27 سنة من العمل الوظيفي، ليجلس بقربها ويؤنسها ويحقق مطالبها. وقد عمل في العقار بعد تقاعده وكان ناصحاً صادقاً أميناً مع عملائه في البيع والشراء، كما كان شغوفًا بتلاوة القرآن الكريم يقضي الساعات الطوال داخل المسجد وفي منزله، زاهداً في حطام الدنيا حيث عاش حياته متعففًا ومتفرغًا لعبادة الله، وتربية أبنائه وتوجيههم التوجيه السليم الأمثل، الذي يحث على صلة الرحم والابتعاد عن جلساء السوء، ولسان حاله يذكرهم بمعنى هذا البيت:
ولا تركن إلى أهل الدنايا
فإن خلائق السفهاء تُعدي
والحمد لله قد ظهر هذا التوجيه الأبوي جليًا على محيا كل أفراد أسرته، وعلى حسن التآلف والتوادد مع أبناء الجيران، وكان لسان حال والدهم يوصيهم بتبادل الزيارات ما أمكن وذلك لتقوية عرى الصداقة فيما بينهم:
نُبادله الصداقة ما حيينا
وإنْ مِتْنا سنُوَرِّثها البَنِينا
كما لا ننسى زيارة أحد أبنائه لنا في حريملاء منذ فترة؛ زيارة وفاء منه وتذكر لأيام سعيدة جمعتنا بهم مضت ولن تعود أبداً. فقد كانت والدتنا تأتي من حريملاء إلى منزل أخي عبدالله، فتفرح والدة الأخ صالح وعقيلته «أم فهد» بوجودها، فيبادران بزيارتها، وهذا لا يستغرب منهن - رحمهن المولى جميعاً رحمة واسعة، وتغمد الله الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، والهم أبناءه وبناته وكافة أسرته ومحبيه الصبر والسلوان:
عليك سلامُ الله مِني تحيّةً
ومن كُل غيثٍ صادقِ البَرقِ والرّعدِ
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريّف