صبحي شبانة
الحروب لا تنتهي فقط في ساحات المعارك، كثيرا منها عبر التاريخ انتهت على طاولة المفاوضات، لكننا في الحرب اليمنية أمام حرب ذات طبيعة خاصة، ميليشيا تصر على أن تجتث دولة، وترتهن شعبها، وتطمس هويتها، المفاوضات في مفهومها هدنة لإعادة التموضع والتقاط الأنفاس، والاتفاقيات في عقيدتها حبر باهت على ورق بالٍ.
الآن باتت الكرة في ملعب الميليشيات الحوثية، بعد اتفاق الأطراف اليمنية المتحاربة على هدنة إنسانية في اليمن تمتد لشهرين، تهيئ الأجواء (إذا صمدت) لوقف إطلاق نار دائم، ومن ثم الجلوس على طاولة المفاوضات لإقرار سلام طال انتظاره يترقبه الشعب اليمني الذي تلظى بسعير حرب أشعلتها الميليشيات الحوثية منذ العام 2015 حتى الآن، لكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه بقوة، هل تصمد الهدنة أمام الخرق الحوثي المتكرر للاتفاقيات السابقة؟، أغلب الظن أن المليشيات الحوثية المدعومة من إيران لن تلتزم بالاتفاق الذي تم برعاية المبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ وهانس غروندبرغ، وحظي بترحيب عربي ودولي واسع، غالبية المراقبين ولن أتجاوز إذا قلت جميعهم لديهم شكوك تقترب من اليقين بأن الحوثيين سيخرقون هذه الهدنة كما فعلوا ذلك أكثر من مرة في السابق.
خلال السنوات الماضية عقدت مشاورات متكررة بوساطات خليجية وأمريكية لعل أبرزها الجولة التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط عام 2016 وجمعت آنذاك الحوثيين بوزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري والتي لم ُتفض إلى نتائج ملموسة بعد انقلاب الحوثيين على الاتفاق، بعد ذلك استضافت الكويت في نفس العام مشاورات استمرت لأكثر من أربعة أشهر في إطار جولات مستمرة ومتصلة ببعضها البعض من المفاوضات بين وفدي الحكومة اليمنية والحوثيين وباءت بالفشل كسابقتها بسبب إعلان الميليشيات الحوثية من جانب واحد عن تشكيل مجلس سياسي للحكم في صنعاء، وفي ديسمبر 2018 توصلت الحكومة اليمنية والحوثيون عقب مفاوضات جرت في العاصمة السويدية ستوكهولم إلى تفاهم مشترك حول مدينة تعز ووقف إطلاق النار بالحديدة وانسحاب القوات الحوثية من هناك وتبادل للأسرى من الجانبين. غير أنه سرعان ما تم خرق تلك الاتفاقات من جانب الميليشيات الحوثية، وفي مارس من العام الماضي 2021م أعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة عن مبادرة تشمل وقفا لإطلاق النار في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة وكسرا تدريجيا لعزلة الدولة اليمنية عبر إعادة تشغيل مطار صنعاء، غير أن الحوثيين سارعوا إلى رفض المبادرة.
تدرك المملكة التي تتحمل عبء الشعب اليمني وتعمل جاهدة على إعادة إعمار اليمن وجره إلى المستقبل بعدما أنهكه الحوثيون وأعادوه قرونا إلى عصور مضت من التخلف وأن المفاوضات مع الجماعات المارقة التي لا تعبئ بالقوانين الدولية ولا تأبه بالاتفاقيات المبرمة ليست مضمونة النتائج مهما كان رعاتها، لكن المملكة التي تقود الأمة العربية تراهن على أن يلعب الشعب اليمني الذي تضرر كثيرا في أن يؤدي دوره التاريخي في الحفاظ على استقرار اليمن ووحدة أراضيه وإعادة الهدوء والأمان لهذا الشعب العربي الذي يمثل ظهيرا لأمته العربية.
مشكلة الميليشيات الحوثية التي تتلقى أوامرها من إيران تكمن في أنها تفتقر إلى إدراك حقائق التاريخ والجغرافيا، فهي لا يمكنها العيش وسط بيئة رافضة مهما كان الدعم الخارجي لها، فمتى يدرك الحوثي أنهم جماعة وظيفية مؤقتة في أيدي إيران سرعان ما سوف تلقي بها في قمامة التاريخ؟، هكذا هو مآل كل الجماعات الوظيفية التي تخرج على شعوبها وتشهر بندقيتها في وجه الوطن.
الحقيقة أن المملكة قدمت للشعب اليمني الكثير والكثير، وتحمل شعبها فاتورة حرب يمنية - يمنية لا ناقة له فيها ولا جمل، وواجه شعبها المسيرات والصواريخ التي يلقيها الحوثيون على المدن والمطارات السعودية بجسر جوي ممتد من طائرات وقوافل إنسانية تحمل المؤن والسلع والأدوية لإغاثة الشعب اليمني، كما أن المملكة تستضيف الملايين من اليمنيين على أراضيها يعملون ويعيشون في أمان ويرسلون أموالهم إلى أهاليهم في اليمن، ربما يكون من بينهم حوثيون، أي دولة في العالم يتعرض شعبها لكل هذا التهديد كانت حتما ستلقي بهؤلاء خارج الحدود أو تقايض بهم لكن القيادة السعودية التي حافظت على السمات الأخلاقية للمملكة التي زرعها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود منذ نحو مائة عام أبت إلا أن تتحلى بسعة الصدر ليقينها أن الميليشيات الحوثية التي تتسربل بالعباءة الإيرانية نتوء طارئ في تاريخ الشعب اليمني سوف يلفظها اليمنيون، على الشعب اليمني أن يدرك خطورة المرحلة ويتخلص من هؤلاء الذين رهنوا اليمن لآيات قم وعمائم طهران، كفاكم سبع سنوات من الخراب والدمار الذي أشاعه الحوثيون في كل مكان، الشعوب الحية هي التي لديها القدرة على إعادة بوصلة التاريخ إلى وجهتها الصحيحة.