د. عبدالحق عزوزي
قلنا في مقالتنا للأسبوع الماضي إن الرئيس ماكرون هو الأوفر حظًا للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة التي لا تفصلنا عنها إلا أيامًا قليلة... وقبل نحو أسبوع من الدورة الأولى للانتخابات، التقى الرئيس الفرنسي الساعي لإعطاء زخم لحملته، أول مهرجان انتخابي له بحضور عشرات الآلاف من أنصاره وسط استمرار تصدره نوايا التصويت ولكن مع تقلص الفارق مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان؛ وكان ماكرون قد أرجأ بدء حملته الانتخابية بسبب انشغاله بالهجوم الروسي على أوكرانيا.
وتناول الرئيس المنتهية ولايته في مهرجانه بإسهاب عن مسألة القوة الشرائية التي تتصدر هموم الفرنسيين وصارت موضوعًا تركز عليه مارين لوبان، وتعهد مضاعفة «مكافأة ماكرون» ثلاث مرات «ابتداءً من هذا الصيف»... كما شدد على أن فرنسا لا تتوفر على «المال السحري» من أجل تمويل كل المتطلبات المجتمعية، مكررًا رفضه زيادة الضرائب وتعميق الديون. وأضاف ماكرون الذي يريد رفع سنّ التقاعد إلى 65 عامًا تدريجًا بحلول 2032، «سيتعين علينا العمل أكثر وقبل كل شيء لفترة أطول لأننا نعيش لفترة أطول».
وهذا الكلام هو نوعٌ من الرد على ما تقوم به المرشحة مارين لوبان من حملة ميدانية بعيدًا عن المدن الكبرى، واستثمار في مناطق يشعر سكانها أحيانًا بالإهمال؛ كما أنه جواب على التخوف الذي بلور منذ سنوات فيما كان يسمى بقضية «السترات الصفراء»، حيث كان يحتشد الآلاف من المتظاهرين في العديد من المناطق الفرنسية للاحتجاج على ارتفاع تكاليف الوقود والسياسات الاقتصادية للرئيس الفرنسي ماكرون.
وما كان وقع في فرنسا وما يقع اليوم من غلاء المعيشة في العديد من دول العالم بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، يذكرنا بأحد أبحاث الاقتصادي الكبير جون لويس ريفرز (Jean Louis Reiffers) والذي له برامج تنموية متعددة استعانت بها أعظم المؤسسات البنكية العالمية والاتحاد الأوروبي، حيث يقول في إحدى مقالاته التي كنت قد نشرتها له في أحد الكتب الجماعية، أن الحراك الاجتماعي يبلغ أشده عندما يرتفع ثمن بعض المواد الحيوية للمواطنين؛ ولهذا السبب تجنح العديد من الدول إلى ما يمكن أن يسمى بنظام المقاصة مع درجة مرتفعة في الدول العربية، لأن السلم الاجتماعي غالبًا ما يكون منوطًا بدعم الدولة للمواد الأولية... هذا النظام يهدف إلى تأمين التزود بالسلع وضمان مستوى الأسعار في السوق الداخلية، وذلك بتجنب نقص أو زيادة التموين، ودعم الصناعات الفلاحية، إلخ. بعبارة أخرى يعني استقرار الأسعار تثبيت السلم الاجتماعي، لأنه لا يمكن تصور السلم الاجتماعي دون تدخل الدولة في ترشيد أسعار ورواج المنتوجات المختلفة، ونحن نتذكر ما وقع في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 حيث اضطرت الدولة إلى تبني سياسات تدخلية وحمائية خوفًا على تسريح ملايين العمال من الشركات والزيادة في الأسعار....
المهم، لا تزال استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت في الدورة الثانية تتوقع فوزه أمام لوبان على غرار ما حصل في الدورة الثانية لانتخابات العام 2017، ولكن بفارق أضيق لا يزيد على هامش الخطأ في تلك الاستطلاعات.... وقال الخبير السياسي جيروم فوركيه مساء الجمعة لمحطة «فرانس 5» إنه «في الفترة ذاتها من العام 2017، كانت (مارين لوبان) بمستوى 40 أو 41 بالمائة في مقابل إيمانويل ماكرون. اليوم هي بين 46 و47 بالمائة، ما يعني أنها حققت تقدمًا حقيقيًا».
كما أثار المرشح زمور جدلاً مرة أخرى هذه الأيام بزيارته سوقًا للسلع الرخيصة والمستعملة في منطقة للطبقة العاملة في مدينة مرسيليا (جنوب)، اعتبر أنها توضح «الاستبدال العظيم»، وهي نظرية مؤامرة ترى أنه يجري تبديل السكان الأوروبيين بآخرين مهاجرين وخصوصًا من إفريقيا.
ومن دون أن يسميه، هاجم ماكرون خلال اجتماعه الانتخابي دعاة «التقزم العظيم».
أما المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلنشون الذي تضعه استطلاعات الرأي في المركز الثالث بنحو 15 إلى 16 بالمائة من نوايا التصويت، فقد هاجم السبت كلا من إيمانويل ماكرون ومارين لوبان.
والصحيح أن هذه الحملة الانتخابية من طرف منافسي الرئيس المرشح ماكرون ضعيفة، ويبقى هذا الأخير الأكثر حظًا للفوز بالانتخابات الرئاسية.