الهادي التليلي
عندما نغرس الأشجار لمقاومة التصحّر ونسقيها من سيعتني بها حتى تتحول من مشاتل صغيرة إلى أشجار وارفة تعطي الظلال وتساهم في تحول إيكولوجي كامل ومستدام، إنه المجتمع المدني بما فيه من جمعيات تطوعية ومنظمات غير ربحية منتمية كلها إلى وطنها متشبعة بالرغبة في غد أفضل على قاعدة زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون.
وعندما ينبني خطاب حداثي في المجتمع كالتحول في النظرة إلى المرأة ومكانتها لدرجة اعتبارها شريكاً فاعلاً في المجتمع من سيول هذه الثقافة إلى المجتمع ويترجمها من قرارات إلى ثقافة ووعي يسمح بتحول المرأة فعلاً إلى رقم وازن في البناء المجتمعي إنه العمل الجمعياتي الذي أساسه حب الوطن والانتماء إليه.
وأيضاً عندما يستهدف الوطن في ثقافته وأحلام شعبه من طرف فئة متطرفة لا مدنية متحركة بتسيير خارجي بعيد كل البعد عن البيئة والدين والقيم وموغل في الدموية ونشر الرعب والألم في كل الأوساط إضافة إلى التعليم والإعلام و السوشل ميديا وقبل كل الفواعل إنه دور المجتمع المدني والحراك الجمعياتي والمنظماتي واسع النطاق لأنه العلامة الفارقة في كل تغيير وفي كل ثقافة جديدة
العمل الجمعياتي هو الرافد الحقيقي لجهود الدول والحكومات وهو المعزز لما تثابر من أجل تحقيقه الحكومات والقيادات من إجراءات ثورية تنقل المجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر وعياً إنها مشاركة المواطن في نماء ورفعة ورقي وطنه إنه الإيمان بأن هذا الوطن يحتاج في كل لحظة من لحظاته إلى حماية فكرية وثقافية وحضارية، فالجمعيات مهما كانت أصنافها تشترك في الطوعية واللا ربحية مادياً.
فجهود المجتمع المدني لها تأثيرها الأكبر في المجتمعات الراقية، ففي الحي نجد جمعيات الأحياء التي تسهم في تطوير المساحات الحرة وخلق فضاءات ترفيه بالتنسيق مع البلديات والتي بدورها تنتمي للمجتمع المدني وفي المجال البيئي نجد جمعيات عريقة أثَّرت في سياسات العالم البيئية وأصبحت فاعلاً مركزيًا في المشهد على غرار غرين بيس وغيرها.
فالمجتمع المدني هو رجع صدى الجهود وهو الضامن لتحقق الإجراءات والقرارات ولعل مقولة جان جاك روسو في مقدمة كتابه إيميل «قبل أن تعلمني أي شيء ربيني كي أتقبل كل شيء» تعد درساً متكاملَ الأركان في ما نحن بصدد تبيانه.
ولو نظرنا إلى التاريخ غير البعيد ونعني بذلك الثورة الفرنسية سنجد أثر مجتمع المثقفين ونشر الثقافة الجديدة في المقاهي والشوارع وأينما يتوجه الجمهور أساسًا انبنت عليه تفسيرات تفاعل المجتمع مع الرغبة في التحول التاريخي.
فالعمل الجمعياتي هو كاللهجة بالنسبة للغة، إذ هي ضمان تطورها وبقائها وسيرورتها وهي الناطق للمجتمع من المتقبل السلبي للقرارات العلوية إلى المشارك في بناء ونحت قصة نجاح مجتمعي وكلما تقلّص منسوب العمل الجمعياتي في مجتمع ما تكاثرت فيه آفات الجريمة والتطرف والإرهاب.