د. صالح بن سعد اللحيدان
يعتقد بعض المحققين اليوم أن كتابة التاريخ لا يلزم أن تكون صحيحة، بل مُقاربة للصحيح
وإنما الذي يحتاج إلى التثبت والصحة هو الحديث لتعلّق العبادات القولية والعملية به.
وهذا عند التحقيق ولزوم العقل ينفي هذا المذهب.
ذلك لأنه يُلغي العقل ويهدم سبيل الصواب ويجلب الكذب والمبالغات في الحوادث والروايات
لاسيما والتاريخ تدخله المجاملة وتداخل القول من هُنا وهُناك.
وما دام النقل وتدوين الأخبار وتراجم حالات الناس خلال الأزمنة المتعاقبة يوجب هذا الحق فمن هُنا لا بد لذلك من الصحة حتى يكون عقل القارئ مُشرباً بالصحيح من النقل من خلال الأسانيد لأنها فيصل بين الصحيح والضعيف الخطأ والصواب.
ولا يمكن للعقل الحر أبداً أن يتقبل ما قرأه لو علم أنه مزيف أو فيه تهويل
لا يمكن هذا وليس يقول به عاقل
فحينما تكتب مثلاً عن أمة أو رجل أو رواية فيتم بعد ذلك التتبع والبحث طويلاً عن طُرق الإثبات والحقائق من خلال والأسانيد فيتم الوقوف على البطلان إذاً بالله كيف يكون موقفك وموقف كل عاقل؟
فما دام التاريخ يكون فيه مثل هذه المجاملة المبالغة
تركيب الحوادث
ترك الأسانيد
التدوين من خلال الخواطر والتصورات والتشبيهات وتلقي الركبان
فكيف الحال؟
لا جرم يقرع المرء سن نادم
ولهذا ترك العلماء كتباً ذات شهرة اشتهرت حيناً من الزمن وحين تم نظرها والتدقيق فيها تبين أنها حطب ليل ونفخ في الرماد ورقم على الماء وما يوم حليمة بسر.
فطالع مثلاً ما قام به د. محمد شحرور سلام البحيري، وانظر ما دوَّنه جرجي زيدان، بل طالع ما بحثه نعوم تشومسكي عن اللغة وتاريخها، فبجانب لطشه وجرأته حينما كتب عن اللغتين العربية والعبرية ترك أساس السند إنما يفترض بجرأة وتهويل مما حدا ببعض العرب أن يتعلقوا به إلا ثلة تركوه بعد قوة النظر والتدبر والمقايسة. ومثله قولد سهير.
وهذا كله سببه إغفال العقل وتقديم العاطفة وحيل الهوى والإعجاب بالشهرة عن هذا وذاك
تدبر ما كتبه تشومسكي وقارنه بما سطره الفراء والمبرد وابن جني وكتاب طبقات الحويين سوف تجد كيف أن العقل قد تم تركه لا يمكن للعقل أن يتحرّر أو يتدبر حال تقديم القلب على العقل لا يمكن ولا يُقال هذا شروى نقير
التاريخ أمانة ومسؤولية وصدق وهو الحق ليس سواه.