خالد محمد الدوس
اهتم عددٌ كبيرٌ من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء علم الاجتماع وميادينه، واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع البشري وظواهره، واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه.
وقد أسهم كثيرٌ من المفكرين والمنظّرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية.
ومن أهم العلماء والمنظرين والباحثين في علم الاجتماع المصري الأستاذ الدكتور الراحل سيد عويس- رحمه الله- من الرواد الأوائل في علم الاجتماع في الوطن العربي, والأسماء البارزة في دراسة الظواهر الاجتماعية والعادات السلوكية والموروثات القديمة والثقافة الاجتماعية التي تتحكم في المجتمع العربي. وممن كانوا يدعون إلى الدراسة في كافة أوجه وجوانب علم الاجتماع, وتميزوا في الأسلوب العلمي في فهم القضايا الاجتماعية والحضرية.
ولد العالم الاجتماعي العربي سيد عويس في عام 1913م في (حي بولاق) أقدم الأحياء في القاهرة وبعد أن أنهى تعليمه العام كان من المهتمين في البحث عن الظواهر الاجتماعية مما زاد من رغبته العلمية وميوله الاجتماعية في الالتحاق بالدراسة الجامعية بقسم الاجتماع وكان لهذا الميول الأثر في حصوله على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة القاهرة عام 1940م بتفوق على أقرانه ليتسع أفقه العلمي وتزداد مساحة مداركه السوسيولوجية في الالتحاق بالدراسة العليا في أعرق وأقدم الجامعات الأمريكية (جامعة بوسطن) مبتعثا.. وكان من الخبراء الأوائل في الوطن العربي الذين التحقوا بالدارسات العليا في أمريكا في تخصص علم الاجتماع فنال الماجستير في علم الاجتماع (أوائل الخمسينيات الميلادية) ثم تلا ذلك حصوله على شهادة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى عام 1956م من الجامعة ذاتها وكانت رسالته العلمية عن الأحياء الشعبية كونه عاش طفولته ونشأته في حي قديم وشعبي في القاهرة، وعاش أيضاً في حي قديم إبان دراسته العليا في أمريكا في حي (فوكسبري) الشعبي في مدينة بوسطن..! فأعد رسالته عن الحيين ونالت الرسالة قبولاً من أساتذته الأمريكيين في الجامعة، وبعد عودته وهو مرصع بالعلم والمعرفة في أهم العلوم الاجتماعية عمل في العديد من الجامعات المصرية والعربية وكان من الأسماء البارزة في تأسيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، كما أسهم في تأسيس جمعية الخدمات الاجتماعية المصرية. كانت لأبحاثه العلمية ودراساته الرصينة في الظواهر الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية والتغير الاجتماعي والضبط الاجتماعي ودراسة البناء الاجتماعي الأثر الكبير في نمو علم الاجتماع في مصر.. مع بقية العلماء والخبراء في هذا الميدان الخصيب. فنال العديد من الجوائز العلمية والأوسمة التقديرية تجسيداً لدوره الريادي في إثراء علم الاجتماع العربي..فقد نال جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1965م وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة عام 1986م.
وفي مجال الإنتاج العلمي وميدان التأليف.. كان له عدة مؤلفات وأبحاث كثيرة ومنها:
كتاب: موسوعة المجتمع المصري، كتاب الخلود في التراث الثقافي المصري, كتاب: محاولة في تفسير الشعور بالعداوة, كتاب هتاف الصامتين, حديث عن الثقافة - بعض الحقائق الثقافية المعاصرة. وكتاب التاريخ الذي احمله على ظهري-سيرة ذاتية. وغيرها من الكتب الثرية، وفي زمانه كان العالم الراحل سيد عويس يشكل الضمير الحي (للمجتمع المصري) الذي أحبه حد الهيام به في همومه الذاتية وتطلعاته المستقبلية ..فقد عايشه بشفافية ونقاء وحلل ظواهره الاجتماعية وخصائصه العامة وأبدع في نظرياته تاركا عطاء خصبا من الكتب والدراسات والأبحاث العلمية التي لامست جذور المجتمع بالنقد والتحليل والاستنباط والاستقراء والتوجيه التربوي الاجتماعي حتى لا يجد الإنسان نفسه في عزلة اجتماعية واغتراب نفسي في وطنه, اشتهر العالم الراحل سيد عويس في دراسته بأدوات التحليل الاجتماعي العلمية فأنتج أعمالا تميزت بالعلمية الرصينة والبعد عن التعقيد، بل صاغ معطياته السوسيولوجية بأسلوب علمي بديع, وفكر اجتماعي أصيل.
كان صاحب العبارة الشهيرة الموجهة للباحثين في علم الاجتماع العربي ما معناه: (أرصد الظواهر.. اهتم بالعلم فهو سفيرنا للغد.. افتتح النوافذ المغلقة لأصحاب الأفكار المبتكرة البناءة.. لا تخف من أفكار جريئة.. فالجراءة هي شباب العقل)..!
توفي عالم الاجتماع ورائده العربي الدكتور سيد عويس رحمه الله عام 1988م بعد أن ترك منجزات علمية ومؤلفات ثرية وساهم بمنهجية النظرية في نمو علم الاجتماع في الوطن العربي.. وتقديرا للدور الرائد لهذا العالم الراحل الذي لقب عميد علم الاجتماع العربي أقامت اليونسكو عام 2013م احتفالاً بمرور قرن على ميلاد العالم الراحل وفي إطار الاحتفال نظمت اليونسكو العديد من الفعاليات والندوات في مصر والوطن العربي قامت بها الهيئات الحكومية وأجهزة الإعلام تقديراً لما قدمه عميد علم الاجتماع في مصر من أثراء علم الاجتماع العربي ومساهمته في تنميته.. لأن هذا الاحتفال والتقدير الرمزي من اليونسكو بمئويته على أساس أن فكره لم يكن مصريا أو عربيا فقط.. بل كان عالمياً.