خالد أحمد عثمان
تعرضت بعض المرافق النفطية في بعض مناطق المملكة العربية السعودية لهجمات مسلحة عدوانية عدة مرات من قبل العصابة الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران. وأحدث هذه الهجمات وقعت في شهر مارس 2022. ففي يوم الخميس 10/ مارس تعرضت مصفاة تكرير البترول في الرياض لاعتداء بطائرة مسيرة عن بعد. وفي مساء يوم السبت 19/ مارس تعرضت محطة المنتجات البترولية في جازان لاعتداء بطائرة مسيرة عن بعد.
وفي صباح يوم الأحد 20/ مارس تعرض معمل ينبع للغاز الطبيعي ومرافق شركة (ينبع ساينوك) للتكرير (ياسرف) لهجومين منفصلين بطائرتين مسيرتين عن بعد وقد أدى الهجوم إلى انخفاض مستوى إنتاج المصفاة بشكل مؤقت. وفي يوم الجمعة 25/ مارس تعرضت محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لشركة أرامكو في جدة لهجمات مسلحة أطلقت من مطار صنعاء الدولي ومحافظة الحديدة كما تعرضت محطة منتجات بترولية في منطقة جازان لهجوم بمقذوف صاروخي.
بعد هذا السرد الوجيز لوقائع الهجمات الحوثية التي وقعت في شهر مارس المنصرم، ننتقل إلى تسليط بعض الضوء على موقف القانون الدولي الإنساني من هذه الاعتداءات الإرهابية التي أقرت العصابة الحوثية بمسؤوليتها عن ارتكابها. ونسلسل القول في هذا الشأن على النحو التالي:
أولاً: نبدأ بالإشارة إلى أن المقصود من كلمة النفط (البترول) جميع المواد الهيدروكاربونية سواء بحالة سائلة أو غازية. وتبعاً لذلك فإننا نقصد بالمرافق النفطية آبار النفط والغاز ومصافي التكرير ومستودعات الوقود ومحطات توزيع المنتجات البترولية وخطوط أنابيب نقل النفط والغاز وموانئ التصدير وجميع المنشآت ذات الصلة بصناعة وتجارة النفط والغاز. أما القانون الدولي الإنساني فهو جميع القواعد الدولية المستمدة من الاتفاقيات والأعراف الدولية الهادفة إلى حماية الإنسان أثناء النزاعات المسلحة سواء كانت هذه النزاعات دولية أو غير دولية مثل الحروب الأهلية.
وقد حل مصطلح القانون الدولي الإنساني محل قانون الحرب لإبراز رغبة المجتمع الدولي في التأكيد على الطابع الإنساني لقانون النزاعات المسلحة، وهو بذلك يختلف عن القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يهدف إلى حماية الحقوق الأساسية للإنسان وقت السلم ضد تعسف وتجاوزات الدول.
أهم قواعد القانون الدولي الإنساني نظمتها اتفاقيات جنيف الأربعة المبرمة عام 1949 التي انضمت إليها معظم الدول. وفي عام 1977 تم إبرام برتوكولين إضافيين لسد النقص في اتفاقيات جنيف.
لقد نصت المادة (48) من البرتوكول الإضافي الأول أنه يجب على أطراف النزاع المسلح أن تميز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية.
ثانياً: نصت المادة (52) من البرتوكول الإضافي الأول على ما يلي:
1 - لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم أو لهجمات الردع. والأعيان المدنية هي كافة الأعيان التي ليست أهدافاً عسكرية وفقاً لما حددت الفقرة الثانية.
2 - تتقصر الهجمات على الأهداف العسكرية فحسب، وتنحصر الأهداف العسكرية فيما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.
3 - إذا ثار الشك حول ما إذا كانت عين ما تكرس عادة لأغراض مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن أو مدرسة إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك.
ثالثاً: أولى البرتوكول الأول عناية خاصة لبعض الأعيان المدنية نظراً لما تمثله من أهمية خاصة لحماية السكان المدنيين أو لتراثهم الحضاري والثقافي والروحي أو يسبب ما يلحق السكان المدنيين من أضرار وأخطار نتيجة مهاجمتها، وهذه الأعيان حددتها المواد من (53) إلى (56) وهي:
1- الأعيان الثقافية وأماكن العبادة.
2- الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.
3- البيئة الطبيعية.
4- الأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوى خطرة.
رابعاً: جدير بالذكر أن المادة (56) من البرتوكول الأول حظرت مهاجمة المنشآت الهندسية أو المنِشآت التي تحوي على قوى خطرة حتى ولو كانت هذه المنشآت أهدافاً عسكرية، إذا كان من شأن الهجوم أو الاعتداء عليها يؤدي إلى انطلاق قوى خطرة ترتب خسائر وأضرار فادحة بالسكان المدنيين، بل إن المادة المذكورة حرمت أيضاً ضرب أو مهاجمة الأهداف العسكرية القريبة من هذه المنشآت إذا كان من شأن ذلك أن يؤدي إلى انطلاق قوى خطرة تؤدي إلى إلحاق خسائر فادحة للسكان المدنيين.
وقد ذكر نص المادة المذكورة بعض الأمثلة لهذه المنشآت محل الحماية مثل السدود والجسور، والمحطات النووية المستخدمة في توليد الكهرباء، وقررت المادة المذكورة بوجوب الحماية لهذه المنشآت ما لم تستخدم في دعم العمليات العسكرية على نحو منتظم ومهم ومباشر وكان الهجوم عليها هو السبيل الوحيد المستطاع لإنهاء هذه الدعم.
خامساً: بناء على ما تقدم يمكن القول إن المرافق النفطية تعد من الأعيان المدنية التي يجب عدم مهاجمتها والاعتداء عليها لأنها بطبيعتها من المنشآت المحتوية على قوى خطرة ومن شأن الهجوم عليها أن يؤدي إلى إشعال حرائق تنبعث منها غازات وملوثات سامة تؤدي إلى تلويث البيئة تلويثاً ضاراً بالإنسان والكائنات الحية الأخرى، فضلاً عن أن الاعتداء عليها يؤدي إلى إهدار ثروة طبيعية غير متجددة وبالتالي يخرج الاعتداء عليها عن كونه عملاً تبرره الضرورة العسكرية ومن ثم يعد انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تحظر مهاجمة الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحوي قوى خطرة كما تحظر تدمير الأموال العامة والخاصة. ووفقاً للمادتين (146) و(147) من الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات جنيف يعد هذا الاعتداء بمثابة جريمة حرب تثير المسؤولية الجنائية الدولية لمن أمر بها أو قام بها أو ساعد على تنفيذها.
سادساً: يضاف إلى ما سبق أن العدوان على المرافق النفطية في أكبر دولة مصدرة للبترول من شأنه أن يعرض الأمن الدولي لإمدادات الطاقة للخطر وسبق أن أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة أن أمن الطاقة يشكل أساساً ضرورياً لازدهار الاقتصاد العالمي. ولذلك يمكن القول إن أمن الطاقة هو جزء لا يتجزأ من الأمن والسلم الدوليين وأنه يتعين على المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن الدولي اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحمايته، ولذلك أعلن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية بتاريخ 21/ مارس 2022 بأن السعودية لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، واعتبر هذه الهجمات التخريبية تشكل تهديداً مباشراً لأمن الإمدادات البترولية في هذه الظروف بالغة الحساسية التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، وحث المصدر السعودي المسؤول المجتمع الدولي على الاطلاع بمسؤولياته والوقوف بحزم ضد مليشيا الحوثيين وردع إيران عن تزويدهم بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات المتطورة دون طيار التي تستهدف بها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما في المملكة.
سابعاً: كان مجلس الأمن الدولي قد اصدر بتاريخ 28/ فبراير 2022 القرار رقم (2624) تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة يصف جماعة الحوثيين بأنها جماعة إرهابية ويدرجها ككيان تحت حظر السلاح ويدين هجماتها على المدنيين والبنية التحتية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ويطالب الجماعة بالوقف الفوري للأعمال العدائية كما يدين القرار استمرار توريد الأسلحة والمكونات الحربية إلى اليمن انتهاكاً لحظر الأسلحة المحدد الأهداف المفروض بموجب الفقرة (14) من القرار (2216) باعتباره تهديداً خطيراً للسلام والاستقرار في اليمن والمنطقة كما يحث القرار جميع الدول الأعضاء على احترام وتنفيذ التزاماتها بمنع توريد أو بيع أو نقل الأسلحة والاعتدة ذات الصلة بجميع أنواعها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى الكيانات والأفراد المدرجين في قائمة الجزاءات وأولئك الذين يعملون باسمهم أو بتوجيه منهم في اليمن أو لصالحهم على نحو ما هو مبين في الفقرة (14) سالفة الذكر. وهذا القرار وإن كان مهماً إلا أنه غير كاف لردع العصابة الحوثية وراعيها إيران، ولا بد من أن يتخذ مجلس الأمن إجراءات وتدابير أكثر حزماً وأشد صرامة لضمان الأمن الدولي لإمدادات الطاقة.
ثامناً: إذا كان قادة العصابة الحوثية يتحملون المسئولية الجنائية الدولية عن مهاجمة المدنيين والأعيان المدنية في السعودية ومنها المرافق النفطية فإن إيران تتحمل المسؤولية المدنية الدولية عن جميع تلك الاعتداءات استناداً إلى ما يلي:
1 - بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، قال حيدر مصلحي وزير الاستخبارات الإيراني إن إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية، وهي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء. وأضاف إن «الثورة الإيرانية» لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة، مؤكداً أن «جماعة الحوثيين في اليمن هي إحدى نتاجات الثورة الإيرانية»، وقال علي شمخاتي إن «إيران باتت الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب».
2 - دأب قادة إيران على التصريح بدعهم للحوثيين وهي التي تمدهم بالسلاح خصوصاً الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية وتدرب العناصر الحوثية على استخدامها، وسبق أن تم ضبط بعض السفن الإيرانية محملة بالأسلحة المهربة إلى اليمن أو ضبط خبراء أسلحة وتدريب من ميليشيات حزب الله اللبناني الموالية لإيران في المناطق الخاضعة للسيطرة الحوثية إضافة إلى اعترافات أسرى حوثيين بتلقي التدريب على يد إيران.
3 - صدر اعتراف إيراني صريح بأن المليشيات الحوثية تتبع القوات المسلحة الإيرانية، إذ صرح الجنرال الإيراني غلام علي رشيد قائد ما يسمى (مقر خاتم الأنبياء) التابع للحرس الثوري الإيراني بأن القائد السابق للفيلق المسمى فيلق القدس قاسم سليماني كان قد جهز ستة جيوش خارج إيران تعمل لصالح إيران لردع ما زعمه (الاعتداءات عليها) وهذه الجيوش هي حزب الله اللبناني وحركتا حماس والجهاد الفلسطينيتان، وقوات النظام الحاكم في سورية، والحشد الشعبي العراقي ومليشيا الحوثيين في اليمن مؤكداً أن هذه القوات تمثل قوة ردع بالنسبة لإيران.
4 - يتضح من التصريحات الإيرانية السابقة أن المليشيات الحوثية تابعة لإيران تعمل لصالحها وتأتمر بأوامرها وتبعاً لذلك فان إيران تتحمل المسؤولية المدنية الدولية عن الأفعال غير المشروعة التي ترتكبها العصابة الحوثية وبالتالي تكون إيران مسؤولة مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه عن تعويض الأضرار التي سببتها تلك الأفعال غير المشروعة.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أن السعودية اتباعاً للآية الكريمة (ولاتزر وازرة وزر أخرى) لم تجعلها الاعتداءات الحوثية المدعومة من إيران تتوقف عن إرسال دفعات منحة المشتقات النفطية إلى اليمن عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، وقد وصلت وقت كتابة هذا المقال الدفعة الثامنة من هذه المنحة إلى محافظة عدن بكميات بلغت (60) ألف طن من الديزل و(25) ألف طن من المازوت. وبذلك بلغ ما تم توريده حتى الآن من المشتقات النفطية (684) ألف طن منذ بدء المنحة التي أسهمت في التخفيف من أعباء ميزانية الحكومة اليمنية ومكنتها من استمرار توفير الكهرباء مما أسهم في توفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الحيوية لمعيشة المواطن اليمني.
** **
- محام وكاتب سعودي