محمد سليمان العنقري
التكنولوجيا والتحول الرقمي عالميًا أسهم بدور كبير في تيسير الأعمال للأفراد والمنشآت ولكن لكل تطور منافع وأيضًا أضرار تحدث عن استخدامات خاطئة أو لغايات إجرامية، فإذا كانت الإيجابيات عديدة في استخدام التقنية الحديثة في جميع القطاعات وعلى رأسها القطاع المالي فإن السلبيات تركزت في ظاهرة الاحتيال المالي التي تتغير بين فترة وأخرى لأساليب خطرة، فالدول والمنشآت المالية تنفق مبالغ طائلة لحماية النظام المالي ومنع الاختراقات أو عمليات الاحتيال على العملاء وخصوصًا في المملكة، فالإنفاق على الإجراءات الحمائية في النظام المالي مرتفع وتستخدم أفضل التقنيات العالمية لتعزيزها لكن بالمقابل العصابات الإجرامية التي تخصصت بهذه الأنواع من الجرائم تطور أساليبها وأدواتها بما يوهم ضحاياهم أنهم جهات موثوقة ويبلغ حجم الاحتيال المالي عالميًا عشرات المليارات من الدولارات سنويًا ولا تكاد دولة بالعالم إلا وتعرضت المؤسسات المالية فيها والعملاء لمحاولات اختراق واحتيال فهي ظاهرة دولية بامتياز.
وقبل أيام أصدر البنك المركزي السعودي قرارات تضمنت عدة إجراءات لمكافحة الاحتيال المالي بعد أن رصد العديد من الأساليب التي تستخدم على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى استمرار حالات الاحتيال المالي التي تستهدف عملاء البنوك بطرق ووسائل مختلفة مثل الهندسة الاجتماعية، التي يقوم المحتال من خلالها بإيهام العميل بأنه يتعامل مع جهات رسمية أو خاصة أو أفراد موثوقين، والحصول على بياناتهم الخاصة؛ مما ينتج عنه تزويد عصابات الاحتيال المالي ببيانات الدخول على الحساب المصرفي ورمز التحقق، ثم إجراء عمليات احتيال مالية على حسابات العملاء» كما ذكر البنك المركزي في البيان الذي أعلنه، والذي شدد فيه أيضًا على دوره بحماية النظام المالي وتعزيز الثقة به وبالبنوك وفق صلاحياته وأدواره المنصوص عليها بنظامه وكذلك نظام مراقبة البنوك وهي خطوة في غاية الأهمية، فزيادة حالات الاحتيال قد يكون لها تأثير سلبي على سهولة التعاملات المالية، فمن أهداف المملكة تحقيق الشمول المالي وزيادة التعاملات عبر النظام المالي لما له من منافع اقتصادية ضخمة ومساهمة بالتنمية الاقتصادية وكذلك تسهيل الإجراءات على العملاء بإدارة خدماتهم المصرفية عن بعد وبفترة زمنية قصيرة ويتماشى مع عصر الاقتصاد الرقمي وتأثيره الإيجابي برفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف النوعي بتخصصات تقنية وبدخل مرتفع.
ومن بين الإجراءات العاجلة والمؤقتة التي اتخذها البنك المركزي تعليق فتح أي حساب للعملاء عن بعد وضرورة أن تكون من الفروع مما يلغي معه أي محاولة احتيال بإرسال مواقع غير صحيحة تستخدم هوية البنوك المرخصة لتضليل العملاء، بالإضافة إلى وضع سقف للحوالات عند 60 ألف ريال للأفراد والمؤسسات الفردية ومن يريد أن يرفع السقف فيطلب ذلك من البنك إضافة إلى إبقاء الحوالة الداخلية لمدة ساعتين بالنظام قبل تنفيذ التحويل مما يتيح للعميل إلغاء العملية إذا وصله إشعار بها وهو لم يقم بها أصلاً أما الحوالات الدولية فتبقى لمدة 24 ساعة بالطريقة ذاتها قبل تنفيذها، فهذه الإجراءات تعد مهمة ومناسبة للحد من طرق الاحتيال المتبعة حاليًا من هذه العصابات لكن هناك دور مهم يقع على عاتق العميل الذي يجب ألا يتجاوب مع أي رسالة ترده أو حساب احتيال يروج لمعلومات غير صحيحة وهو يستخدم هوية بنك مرخص إذ يجب التواصل مع البنك عبر الأرقام الموحدة والتأكد مما وصله عبر هذه الرسائل وكذلك زيارة الفرع عند الضرورة فمثل هذا التعاون والوعي للعملاء بمخاطر وطرق الاحتيال المالي كفيلة بالحد منها لدرجة كبيرة جدًا مع التذكير أنهم قادرون على تطوير أساليب الاحتيال لديهم مما يعني بالضرورة التعامل مع أي طلب أو استفسار يأتي للعميل على أنه وسيلة احتيال حتى يثبت العكس بعد اتصاله بالبنك الذي يتعامل معه أو يزور أحد فروعه.
تبقى الجريمة المالية كحال غيرها من الجرائم تتطور ويستخدم فيها أساليب خطرة وباستخدام التقنية زاد انتشارها بنطاق واسع لكن تعاون كل الأطراف الرسمية والقطاع الخاص والأفراد للحد منها هو مفتاح النجاح بمكافحتها مع ضرورة أن تستمر البنوك بعمل الإعلانات المناسبة للتعريف بالاحتيال المالي فلجنة التوعية المصرفية مطالبة بعد إعلان البنك المركزي عن هذه الإجراءات أن تنشط إعلاميًا بحجم مضاعف وبانتشار واسع وبطرق مبتكرة لإيصال المعلومات للمجتمع ، فالوعي أهم أسلحة محاربة ومكافحة الجريمة المالية.