خالد بن حمد المالك
بدلاً من البحث عن حلول لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ووضع حد للمأساة التي يمر بها شعب أوكرانيا، وإيقاف التصعيد في القتال، والتفكير في بناء منظومة عالمية قادرة على منع تكرار مثل هذا القتال، بدلاً من ذلك ها هي مواقف دول العالم بين ساكت وكأنه لم يسمع بهذه الحرب، أو أنها لا تعنيه في قليل منها أو كثير، وبين من ينفخ في نار الحرب ليزيد من اشتعالها، ويغذيها بالإعلام، وضخ أعتى الأسلحة في ميدان القتال من كل الأطراف المباشرة وغير المباشرة.
* *
يتحدثون عن خوفهم من استخدام الأسلحة النووية، ومن أن حربًا عالمية ثالثة قد تكون قادمة، وأنها إذا ما حدثت فسوف لن تبقي ولن تذر، دون أن يكون هناك أي موقف ناصح، أو تدخل عاقل، وإنما كيل الاتهامات هنا وهناك، رغم أن الضرر لم يلحق بأوكرانيا فقط، وإنما امتد إلى روسيا نفسها وإن كان بحجم أقل، وامتد إلى دول كثيرة تأثرت اقتصاديًا وصناعيًا بما أفرزته هذه الحرب من آثار على إمدادات النفط والغاز للدول الأوروبية، ومع ذلك وكأن هذه الحرب لا تعني أحدًا باستثناء روسيا وأوكرانيا.
* *
وإذا كان هذا هو موقف الدول منفردة، وهذه سياساتها في التعامل مع حرب مدمرة، فإن مجلس الأمن لم يكن في موقفه أحسن حالاً من الدول، ولا أفضل في تأثيره مما تحدثت به بعض الدول خارج مبنى مجلس الأمن، ما يؤكد أن هذا المجلس بنظامه لا يملك القدرة على فض المنازعات، ولا الحيلة ليتحايل بها لإقناع المتحاربين لوضع حد للقتال فيما بينهم، أو منع استخدام السلاح الفتاك في حرب عبثية كهذه التي تجري في أراضي أوكرانيا.
* *
قد يطول أمد الحرب، وقد تجد بعض الدول نفسها طرفًا فيها حين تقترب النيران إلى المساس بمصالحها، وكل هذا وارد، وكل هذا له حسابات لدى الدول القريبة من تماس امتدادها، وهو ما يعني أن كثيرًا من الدول قد لا تجد نفسها خارج أتون هذا القتال الذي يقترب من بلوغ شهره الثاني، إذا ما وصل الخوف لديها إلى محفز قد يضطرها لتوسيع مساحة القتال والمشاركة بأكثر مما يجري الآن حيث يقتصر على أوكرانيا.
* *
نتفهم تخوف روسيا، ومثل ذلك تخوف دول أوروبا، وهذا يستدعي من الجميع البحث في أسباب هذه الحرب، ومن كان وراءها، ومن تسبب فيها، ومن شجع عليها، خاصة وهي بين طرفين لا مجال للمقارنة من حيث التكافؤ في القوة العسكرية فيما بينهما، بحسب المعلومات الموثقة، وما أسفرت عنه الحرب إلى اليوم، خاصة وأن الموقف الأمريكي والأوروبي لم يتجاوز التنديد بالغزو الروسي، وإيقاع بعض العقوبات على روسيا، وتوظيف الإعلام لخدمة المعلومة الأوكرانية عن سير المعارك في الأراضي الأوكرانية، دون أن يغيّر ذلك من إصرار روسيا على أن تكون أوكرانيا خالية من أي سلاح يشكِّل خطرًا عليها، وأن تكون دولة محايدة، وينزع من أراضيها ما اعترفت به روسيا على أنهما دولتان منفصلتان عن أوكرانيا، إلى جانب (القرم) التي تحتلها، بما يشبه الإذلال لدولة تجبر على التخلي عن سيادتها على أجزاء من أراضيها.
* *
الرئيس الأوكراني أصيب بخيبة أمل من أمريكا والدول الأوروبية، وما زال منذ نشوب الحرب وإلى اليوم يكرر القول بأن أحدًا لم يقف معه، وأن الجميع تخلوا عنه، وما زال يعطي التنازلات للجانب الروسي على أمل إبقاء ما لم تدمره الحرب بعد، غير أن روسيا لم تصل - على ما يبدو - إلى تحقيق أهدافها في انتزاع اعترافه بالدولتين وبالقرم على أنها لم تعد جزءًا من الدولة الأوكرانية، وعلى حياديتها، وخلوها من السلاح، والتزامها بعدم التحاقها بالنيتو وأي تنظيم عسكري ترى فيه روسيا أنه يهدد أمنها، أو يساعد الغرب على إضعافها.
* *
إن ما يجري إذا ما استمر طويلاً لا يهدِّد منطقة القتال فحسب، وإنما يجر العالم إلى مشاكل في التجارة والاقتصاد، والسباق إلى التسليح وفقدان الأمن، وخلق المزيد من العداوات بين الدول، دون إسقاط سياسة التحالفات بحسب مصالح كل دولة، على أن هذه الحرب فتحت آفاقًا جديدة في الاستعداد لما هو قادم وأخطر، وأثرت كثيرًا على الأمن الغذائي العالمي، ومست مصادر استخدام الطاقة في الصناعات والتنمية والحياة الاجتماعية، ما يجعل من دول العالم وكأنها على فوهة بركان، أو على كف عفريت بانتظار ما هو آت، مما يخيف ويجب الاستعداد له بأكبر قدر من الإمكانات، والتهيؤ لكل الاحتمالات.