د. تنيضب الفايدي
تيماء من أهم المدن التاريخية القديمة،إذ يرجع تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، تقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وهي محافظة ضمن إمارة منطقة تبوك، وتعدّ تيماء من المدن الرئيسة ومن المواقع الاستراتيجية قديماً، إذ كانت تمرّ بها عدة الطرق التجارية، فوقوع تيماء في الموقع المميّز والفريد قد أعطاه أهمية استراتيجية، كما تميزت بأنها مدينة زراعية معروفة منذ القدم،إذ وجدت الآبار وقنوات الري القديمة تظهر بأن هناك نظاماً زراعياً منذ القدم.
وتاريخ تيماء موغلٌ في القِدم، إذ لعبت دوراً كبيراً في تاريخ شمال الجزيرة العربية الاقتصادي والسياسي، لوقوعها على الطريق التجاري بين الشمال والجنوب، ومرت بفترة من قبل التاريخ، فآثار منطقة « رجوم صعصع» تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد على أقل تقدير، كما يوجد بالمنطقة أيضاً مجموعة كبيرة من النقوش المدونة بالخط النبطي المنحدر من الآرامي الذي انتشر مع نهايات الألف الأول قبل الميلاد والبدايات الأولى للألف الأول بعد الميلاد، كذلك يتوافر الخط الكوفي والخط الإسلامي المبكر والمتأخر المنحدرة بدورها من النبطي.كما جاء ذكر تيماء في الكتب المقدسة،كما جاء ذكرها في خبر غزو الزباء ملكة تدمر لتيماء وعجزها عن الاستيلاء عليها، بحيث أصبح المثل المنسوب إليها: (تمرّد مارد وعزّ الأبلق) من أشهر الأمثال العربية. وهذا يدلّ على قدم تيماء إذ الزباء عاشت في القرن الثالث الميلادي وقتلت سنة 273م تقريباً.
يرجع أول ظهور لتيماء على المسرح السياسي إلى عهد الملك الآشوري تيجلات بلاسر الثالث (547 ـ 727 ق. م)، الذي ذكر في نصوص، تمجد أعماله، أنه أخذ الجزية من أهالي تيماء. كما ورد ذكر هذه المدينة في عهدي الملكين الآشوريين سرجون الثاني (722 ـ 705 ق. م)، وآشور بانيبال (669 ـ 627 ق. م)، اللذين أغارا على عدد من مدن شمال الجزيرة، ومن ضمنها تيماء، في محاولة منهما لضمان السيطرة على الطرق التجارية القديمة. وجاء ذكر تيماء في الدولة البابلية حيث نابونيد آخر ملوك بابل (555-539ق.م.) ترك بابل وأقام في تيماء، وبعدما انتهت حكومة نابونيد (بابل) على يد الملك الفارسي قورش الثاني خضعت تيماء لحكم الفرس، وفي العصر النبطي وما بعده أصبحت تيماء تحت نفوذهم حتمياً، وبعد سقوط مملكة الأنباط على يد الرومان سنة 106م خضعت منطقة شمال غرب الجزيرة العربية للهيمنة الرومانية، فكانت تيماء تحت نفوذها، والنص المكتوب باللغتين النبطية واليونانية في معبد روافة يؤكد على ذلك. وأثناء الصراع الدائر بين الإمبراطورية البيزنطية وبين الإمبراطورية الساسانية للهيمنة على شمال غرب الجزيرة العربية كانت تيماء تلعب دورها المهم في حركة التجارة مع غيرها من المدن المزدهرة في هذه الفترة التاريخية.
وفي العصر الإسلامي دخل تيماء الإسلام مبكراً، حيث صالح أهل تيماء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أداء الجزية لمن لم يسلم منهم وذلك بعد غزوة وادي القرى (الحجر)،فقول عبد الله فيلبي في كتابه (أرض مدين) بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- خيّم في تيماء، لم يرد بأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- خيّم بها، حيث دخل أهل تيماء في الإسلام بعد غزوة وادي القرى صلحاً، وسبب وقوعه في هذا الخطأ؛ لأنه كان يعتمد في معرفة المواقع على الأدلاء الذين لهم معرفة بالطرق، وهم عادة أميون ليس لديهم معلومات موثقة، سواء ما يتعلق بتيماء أو خيبر أو تبوك، ولذلك وقع في كثيرٍ من الأخطاء في سرد المعلومات. ونظراً لأهمية تيماء فقد ورد ذكره في الكثير من كتب المؤرخين والجغرافيين المسلمين مثل الطبري وابن الأثير، والمسعودي والحموي والهمداني والإدريسي، وقد وصفها بعض الجغرافيين المسلمين بأنها حصن أعمر من تبوك، كما مرّ بها عددٌ من الرحالة مثل: الرحالة الفلندي جورج أغسطس والن A.G.Wallin و الرحالة الإيطالي كارلو جورماني C.Guarmani، ثم زار تيماء الرحالة الإنجليزي شارلس داووتي M.C.Daughty، وفي سنة 1298هـ/1879م زار تيماء الرحالة الفرنسي شارلز هوبر C.Huber، ثم زارها مرة أخرى سنة 1303هـ/1884م، وكان معه الرحالة الألماني يوليوس أويتنج وأخذ أويتنج المسلة واتفق الاثنان على أن يتم نقل المسلة إلى ألمانيا ولكن لقي هوبر مصرعه في أثناء تلك الزيارة بالقرب من مكة المكرمة في 29 يوليو 1884م، وبعد مقتل هوبر أرسل القنصل الفرنسي تلك المسلة إلى فرنسا عن طريق سكة حديد الحجاز، ومن الرحالة الذين وفدوا إلى تيماء الرحالان الفرنسيان جوسين A.Jaussen وسافينياك R.Savignac اللذان زارا تيماء مرتين في سنتي 1325هـ/1907م و1327هـ/1909م ثم زار تيماء الرحالة دوجلاس غرثرز D. Garruthers سنة 1910م، وفي السنة زارها الرحالة التشيكي ألويس موسل A.Musil وفي عام 1951هـ قام الرحالة الإنجليزي سانت جون فيلبي بزيارة تيماء وتمكن فيلبي في أثناء زيارته لتيماء من اكتشاف المعبد المقام في قمة جبل غنيم للمعبود صلم.
تيماء والآثار
تشمل تيماء عدداً من الآثار، ويتضح مِنْ تلك الآثار في تيماء الحقبات التاريخية المُهِمَّة، من تلك الآثار:
السور:
يحيط بالمدينة من ثلاث جهات هي الغربية والجنوبية والشرقية، ويبلغ طوله حوالي 12 كيلاً تقريباً،أما عرضه فيتراوح ما بين متر إلى مترين.
قصر الرضم
يقع قصر الرضم شمال غرب تيماء، وقد أشار إلى هذا القصركلٌّ من داوتي وفيلبي ووينيت باسم قصر زلوم.
قصر الحمراء
يقع غرب تيماء على تلة مرتفعة تشرف على المدينة، وسمي الحمراء لأن في بنائه استخدم أحجار تميل إلى اللون الأحمر، وتم كشف موقع القصر سنة 1399هـ/1979م.
قصر الأبلق
يقع قصر الأبلق جنوب غرب تيماء ولم يبق من القصر إلا أطلال دارسة، وينسب هذا القصر إلى السموأل الذي اشتهر بين العرب بالوفاء.
بئر هداج
تقع وسط تيماء، وهي من أشهر الآثار في الجزيرة العربية، ويعود تاريخ البئر إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد وذلك اعتماداً على مقارنة طريقة بنائها مع العديد من المعالم الأثرية المؤرخة كقصر الرضم والسور وقصر الحمراء التي تعود إلى حكم الملك البالي (نابونيد)، ولعلّ للفظ هداج صلة بالمعبود (هدد أدد ود) الذي كان معروفاً لدى الساميين بأنه معبود المطر والقمر والحب.
مسلة تيماء الشهيرة
مسلة تيماء المحفوظة حالياً بمتحف اللوفر بباريس، ويرجع تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد وهو مكتوب باللغة الآرامية. ويعدّ داوتي أول من أشار إلى مسلة تيماء وفي سنة 1298هـ/1879م زار تيماء الرحالة الفرنسي شارلز هوبر C.Huber ثم زارها مرة أخرى سنة 1303هـ/1884م، وكان معه الرحالة الألماني يوليوس أويتنج وأخذ أويتنج المسلة واتفق الاثنان على أن يتم نقل المسلة إلى ألمانيا، لكن بعد مقتل هوبر أرسل القنصل الفرنسي تلك المسلة إلى فرنسا عن طريق سكة حديد الحجاز.
قصر البحيدي
يقع في الجهة الشرقية من تيماء ويتكون من وحدات سكنية، وأربعة أبراج تقع في أركان القصر، ومشيد من الحجر، ويعود تاريخه إلى العصر العباسي.
قصر الرضم
الرضم جمع رضمة وهي الصخرة، في الجهة الغربية الشمالية من البلدة قصر يعرف بـ (قصر الرضم) يدعه الطريق إلى تبوك يميناً يما يقارب الكيل.
هذا القصر مبني بالصخور الضخمة، بناية قوية يصل طول بعض صخوره عشرة أقدام وعرضها سبعة عشر قدماً، ولا تزال بعض جدران هذا القصر قائمة.
وهناك قصور أخرى شهيرة في تيماء مثل: قصر الشايب، قصر زلوم، قصر بن رمان.
وأخيراً فهذه تيماء مدينة أثرية تاريخية، حيث يعود تاريخها لمئات السنين، وتحتوي آثاراً تتحدث عن نفسها.