حتى الشوكة يشاكها له بها أجر هكذا يمسح الله أحزان المبتلى ويلبسه لباس الصبر فيرى في المحنة منحة ترفع درجاته وتذيب سيئاته، فكيف بمن كانت حياته غابة أشواك لا يرى طرفها تلتف أغصانها الخشنة لتمنع أكف الراحة المتشوقة لإسناده وتمزق على جسده كل أثواب التعافي، تجاوز الثمانين عاماً يتنفس الآهات الصامتة ويكابد الأوجاع التي لا تمنحه أوقاتاً مستقطعة للراحة وقد سطت على سبع وأربعين عاماً من حياته ليكون رهين غرفته لا يبرحها إلا ما ندر مؤدياً واجباً يبادر إليه غير عابئ بما يثقل كاهله من ابتلاءات تضرب جذورها في أعماق جسده المنهك لكنها تهاب أن تدنو من قلبه النابض بالسعادة، سعادة قل أن تراها في وجوه المنعمين بوافر الصحة. لست أدري كيف ترتسم ابتسامته الوضاءة على محياه الطاهر وقد كبلت كل أمانيه بأغلال العجز الدائم عشرات السنين دون أن يخبو نورها. كان كل شيء فيه يضعف إلا ابتسامته التي تتعاظم حتى ليتصاغر زائروه أنفسهم أمام هذا الأشم الذي لا يضعف يأتون إليه ظانين أنهم سيواسونه فإذا هو الذي يحدثهم كيف يكون الصبر ويريهم حقيقة الأمل ليفتشوا في حنايا صدورهم عن توافه غيبت بسماتهم فينفضوا عنهم غبارها ويخرجوا من عنده بصدور منشرحة وأعين ترى النعمة التي يرفلون بها تامة تامة، حين تزوره يسألك عن الصغير والكبير ممن يعنيك يترحم على من مضى من أحبابك ويدعو لك ولأولادك وكأنه ولي لهم دعاء تشعر بصدقه وتسر بسماعه وترجو إجابته لا يظهر لأحد شكوى ولا يتبرم من زيارة ولو كان كمن يتقلب على جمر يرى بنور إيمانه المشرق ما يغيب عن الذين يجولون في أصقاع الدنيا بحثاً عن المتعة والسعادة تكاد ترى الطمأنينة بين جنبيه تحدثك عن يقينه الصامد بلطف الله وحكمته فيرى ما أصابه يسيراً لا يوجب الشكوى يأسرك بابتسامته حين يشعر أنك تألمت لوضعه وكأنه يعتذر إلى الله من شكوى لم يبدها للناس ولو سبروا ما في قلبه لوجدوه كأنما يردد بصمت قول اللطيف الرحمن {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} فهو يبتسم كلما خطر بباله هذا الوعد الذي لا يبدل ولا ينسى وإن لم يكن مثله صابراً فمن هو الصابر وما هو الصبر.
رحم الله حبيب الجميع وفقيدهم عبدالله بن محمد العبدالله المالك، رحم الله أبا خالد رحم الله من أحسبه كان يحدثنا من الجنة ثقة بالله ولا أتألى عليه سبحانه ولكن من يعلم سعة رحمة الله وعظيم ثوابه للمؤمن الصابر يأمل لأبي خالد مثل هذا الوعد الصادق والله المستعان على نوائب الحياة التي نضعف أمام العابر البسيط منها حين مضى عبدالله وقد أعيا الأوجاع كلها أن تقعد روحه الوضاءة حين أقعدت جسده سبعة وأربعين عاماً متوالية.
** **
- منصور بن صالح العُمري