فُجعنا بالأمس القريب بوفاة أخي الأكبر ومن هو بمثابة والدي أخي عبد الله بن محمد المالك بعد معاناة مع المرض دامت ما يقارب الخمسين عامًا، وأي فاجعةٍ كانت فعلى الرغم من مرضه طوال تلك الفترة ولكننا لم نتحمل فراقه وفقده فقد كان لنا بمثابة الأب والناصح والمعلم الذي وهبه الله لنا بعد وفاة والدنا رحمة الله عليه منذ ما يقارب الخمسين عامًا فأصبح الأب والأخ لي ولإخواني وأخواتي.
لم تكن حياته حياةً عادية فقد ابتلاه الله سبحانه وتعالى منذ كان في عنفوان شبابه بالمرض الذي لم يمهله طويلاً حتى أصبح غير قادر على المشي والحركة، كما ابتلاه الله بفقد البصر لإحدى عينيه وعلى الرغم من ذلك فقد كان صابرًا شاكرًا محتسبًا لما كتبه الله له، واستمر في ممارسة حياته وكأن شيئًا لم يكن بل إنه زاده ذلك إيمانًا ورضًا بما كتبه الله له.
تشرفت بالعيش في البيت معه وتحت رعايته إلى أن تزوجت، وقد عايشت معاناته طوال تلك الفترة ومدى صبره وقوة تحمله، لم يكن إنسانًا عاديًا في صبره وتحمله للألم والمرض والمعاناة التي دامت معه إلى أن اختاره الله إليه، كم من الألم والجراح والمصائب التي أصابته ومع ذلك لم يجزع وكان حريصًا طوال مرضه أن يبقى ألمه وتعبه وشكواه لله لا إلى خلقه، عايشت معه مواقف عصيبة مرت عليه مرور الكرام رغمًا أنها لو أصابت صناديد الرجال لما تحملوها، ولكن عندما يزرع الله في قلب الإنسان قوة الإيمان بقضائه وقدره فلن يجزع مما أصابه وهكذا كان أخي عبدالله رحمه الله.
منذ أن أقعده الله عن الحركة فتح بيته ومجلسه للضيوف والزائرين طوال أيام الأسبوع، وكان يستقبلهم بالحفاوة والكرم وبشاشة الوجه، حيث كان مجلسه عامرًا بالزائرين يوميًا لمحبتهم له وحرصهم على الجلوس في مجلسه والاستمتاع بحديثه، كان محبًا للناس قريبًا كان أو بعيدًا، وكان يسأل عن أحوالهم ويدعو لهم طوال جلوسهم عنده، على الرغم من خسارته للحركة والتنقل ولكن وهبه الله محبة خلقه فسبحان من يأخذ ويعطي بلا مقدار.
في آخر سنواته زاد عليه الألم وزادت المعاناة وكثرت الأمراض ومع ذلك لم يشتكِ إلا لله، كان مدرسةً بالصبر وقوة التحمل إلى آخر رمق في حياته، فقد أصيب في آخر أيامه بجروح غائرة في جسمه أبهرت الأطباء من قدرته وقوته على تحملها، وكانوا متعجبين فأي إنسانٍ يستطيع أن يتحمل هذا الألم فسبحان من وهبه هذه القوة في التحمل والرضا بقضاء الله وقدره.
رحلت عنا يا أبا خالد إلى رحمة ربك ولكنك ستبقى في قلوبنا وذاكرتنا ما حيينا فلم يكن فراقك سهلاً علينا ولكن إيماننا بقضاء الله وقدره هو ماسيلهمنا الصبر والسلوان لفراقك، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل ما أصابك في هذه الدنيا تكفيرًا لك وأن يعوضك شبابك وصحتك في الفردوس الأعلى ووالديك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا على فراقك أبا خالد لمحزونون.
** **
- بدر بن محمد المالك