عبدالمحسن بن علي المطلق
للعنوان داعي مضموره ما كان منه (وهذا من وفائه) لعديله وهو أبي، وكم كان يذكر له كرمه، ولطفه، وهذا ليس موضوعنا، فمادتي وقف تأبين لـ..
ذاك الذي ما عرفناه إلا مقدّم لذوي العرفنا فضلهم، ومقرّ لذي الخير قدرهم
هو (خيران)..، لقب أطلقه على والدي، ما أمسى سمة لهُ، أي عُرف بها، رحمهما الله وجمعهما عنده (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)..كما اجتمعا بالدنيا.
نفثٌ..
أُطلقه.. بخاصة حين يرحل القوم، وإن غاب بعضهم عن المشهد، كفقيدنا اليوم الشيخ «صالح بن محمد المانع..»، أقصد قبل غيبته بحكم تبعات العمر، التي قد تكبّل المرء، فلا يكاد يشارك إلا لمما، وحتى بأموره الصِرفة تناولا بشقّ الأنفس..
نعم يرحل بلا احتفاء من مثله بدنيا أخذ منها حالتي المدّ (بسطها)، والجزر (انقباضا)، فلم يكن وهو من رعيل فهم الحياة حين عركها باكرا.. ليفرح بالسعة حين أتت، كما لم يضجر بضيقها، أو يبدي لظرفية ذاك تبرّما..
فقد كان (رتم) معاشه على ذات الحال لم يتغيّر، سوى هضم - بلا قصد- لتقلبات مرّت على الجيل قاطبة.. دون اختيار من أكثرهم!
وأعني - تحديدًا- النقلة التي شاطرت بـ(الطفرة) ما أبلغتنا ما هو مُشاهدٌ، من مساكن ومراكب.. إلخ، والتي ذهبت بمطامع حتى من كان دخلهم (محدودا) بالاقتراض لمواكبة غالب ما يحيط بهم، أعني مسايرة للأكثرية..
أي لو تطقّست لوجدت أمورًا ليس من باب مطاولتها بلغوا بل استسلام لما ليس للخيارات فيها حيّز مواف..
بخاصة وأن الدنيا يومئذ انفتحت، فأمطرت القروض ما بلغت أراضٍ غير خصبة لتُنبت..
أقصد تتماشى وسلم الموجود، والذي كأنه يحتم على الجميع لحاقا، فقد أمست القروض وقد تيسّرت سبلها (فتأتي زرافات لا وحدانا).. من كل حدب وصوب، فما على آحادهم إلا أن (يوقّع) على أوراق ليستلم ما فيه النصيب.
وهكذا أمضت تلك الحقبة بمن حولها، درجة أن الفقر، أي الذي يحتاج به (.. من بلي بدركة تلك) التواري، وربما ما اقترب أن يتلاشى، بل لك أن تقول عنه أنه ضمر!
فما عاد يوجد من يحتاج على الأقل ظاهرا، والا باطنا فكل بيئة وفيها حصّة.. أن من أولئكم، فكل أمّةً إلا كالقمر.. له وجه مظلم!
أقول بهذا كتصوير تقريبي لفترة (الفقيد)، فهو من قوام.. بل أعمدة تلك الفترة العصيبة وربما العصيّة حتى على من عارك الدنيا أن يخرج منها بما تقوم عليه أُسس الحياة..
ولذلك جابهوا يومها حالة ربما لحق بعضهم شفقة أنه جاهد ثم لم يظفر بما يوازي تعبه، لكن العصامية التي تسربلتهم هي المحفّز الأكبر، و»الدرع» الذي ذادوا به أن تخور منهم القوى، فضلا عن التكاسل من أن يغشاهم، فيُخلّ من حساباتهم، حتى يقعد، فلا يزداد ممن غير تتبيب، بخاصة ممن لا يراعون المشاعر، ما يجعل من يقع - يومها- بالكاد يحاول أن يعيد الكّرة!
لكن الراحل (العم صالح) من النوعية التي تحسبها وعت معنى غزيرا حتى لو لم تطّلع على مضامينه، وهو (ليس البطولة ألا تسقط، ولكن أن تنهض كلما سقطت)..
وأنا ضامن أنه ما اطلع حرفيا عليه إلا بحدسه، فالمثابرة وحدها مكمن القوّة وإلا فإن لكل جواد كبوة، كما أننا - كلنا- ممن له تجارب هو ذاته لا يحسبها في ميدان البذل، لأن نتاجها لم يوصله لمفازة (..الربح)
وللعلم أيضا أن (المثابرة) هي وحدها الفحص الحقيقي للهمّة، تتزيل لتزيّل فئة أولئكم عما سواهم، ممن وقف كدحه من حين وقع، لتقبع نوعيات منهم خلف التأوه والحزن، فلا تعدو شراك شكوى الزمن!
لكنّ أنفسا تنشد القمّة، ولا سواها لها مطلب، حتى وإن بدا لها بفترات أنها عزيزة المنال، عدا أمثال شيخنا رحمه الله.. الذي أمسى لمن حوله مثالاً، ومثالاً شامخاً باسقاً.. تشرئب له أعناق تتعلّم من مدرسة الحياة، وقد قدّمه -رحمه ربه - على طبق من التجربة البعيد شأوها، لأنها قابعةً بمفازة لا يبلغها إلا ذوو الأنفاس الطويلة الاستراق بالتجارب والصبر عليها حتى تنضج..
هنا حسبها ما عبّر عنها غير شاعر، أوجز من بينهم عمهم (المتنبي):
إذا عظم المطلوب.. قلّ المساعد
ونحن نقول قل (المحاكي...)
فرحمك مولاك من ثلّةٍ كان الصبر (وحده) عدتهم، والاحتساب على ما نالهم بعد أمّة - زمن- جزاء وفاقا من الكريم العظيم العطايا
نودّعك مع أمل بالله كبير أن تكون من أمة مرحومة
توقيع/
لأرفع العزاء لأبناء أخته (نورتنا) يرحمها الله/ أخي عبدالله، وأختي عائشه، ثم.. لابن خالتي (ابنه) الغالي عليّ/ محمد، وكذا لأسرة المانع، ولكافّة محبي الفقيد
وجبر الله القلوب عليه..