عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كتبت قبل حين من الدهر خاطرةً أدعو فيها إلى ممارسة فضيلة الصدقات في هذا الشهر الكريم.. وفي سواه من الأوقات، وركَّزت في تلك الخاطرة على تكريس الاهتمام بـ(فقراء الداخل) في بلادنا الغالية، فهم أولى بالبرِّ من سواهم.
* * *
* ولست بهذه الدعوة أنكر على من تجاوز حدود هذه البلاد ببرّه، لكنني في نهاية الأمر أحضّ أهل الخير أن تكون (الأولوية) في فعل الخير لفقراء بلادنا، خاصة أولئك الذين لا يسْألون الناس إلحافًا، ومنْ يحسَبُهم الناسُ أغنياءَ من التعفّف. فلأولئك وهؤلاء حقّ من البر تُقال بها عثرةُ السائل والمحروم. وكل ذلك جزاؤه عند رب العباد عظيم!
* * *
* اليوم، وفي هذا الموسم الربّاني العظيم، أعيد الكرّة داعيًا فاعلي البر ومحبّيه لمنح فقراء بلادنا أولويّةَ البذل زكاةً أو صدقةً أو هبةً في سبيل الله، مُنطلقًا من الاعتبارات التالية:
أولاً: أن هناك شرائح في مجتمعنا تعاني من (وباء) العوز والفقر: مسكنًا وملبسًا وعلاجًا وإعاشةً، فهي أوْلى من غيرها ببرِّ أهل البرّ إنفاقًا وعطاءً.
* * *
ثانيًا: إذا كنّا قد سلّمنا، رسميًا وشعبيًا، وبأكثر من وسيلة أن (الفقر) في بلادنا بات قضيةً لا يمكن تجاهلها ولا التساهل في التعامل معها، فإنه لا بدّ تبعًا لذلك من التصَدّي لها بكل السُّبل الممكنة، مذكّرًا في الوقت نفسه أن الدولة -أيَّدها الله ورعاها - ليستْ وحدَها المسؤولةَ عن مكافحة الفقر، لكن للمواطن القادر دورًا مهمًّا ومشكورًا في البذل، زكاةً أو صدقةً أو تبرّعًا.
* * *
ثالثًا: علّمتنا التجربة في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان أن (طفيليّاتِ) الإرهاب حيثما وُجدت (تتغذّى) أحيانًا من (جداول البرّ) حين ينحرف مسَارها عبر دهاليز النفوس المريضة أو الموتورة لتصبَّ في جيوب وبطون من لا يستحقون جودًا ولا عطفًا ولا برّا! بل قد يستثمرونها في (تمويل) آلة الإرهاب وآلياته! ثم نكتشف بعد حين أن للبرِّ بابيْن ظاهر أحدهما الرحمة.. وباطنه العذاب!
* * *
رابعًا وأخيرًا: السيوُلة النقدية عنصرٌ ناضبٌ، ولذا أتمنّى أن يقرن أهلُ البرّ من الأثرياء في وطننا الغالي مساعدتهم النقدية.. بإقامة مشروعاتٍ عينية وجعلها وقفًا لمصلحة الفقراء، مثل المجمّعات السكنية الملائمة، ومكافحة وعلاج الإعاقة، وتقديم الآليات والبذور النافعة وحفْر الآبار، وهذه المشروعات الخيرية وسواها تقدّم للمستفيدين منها شيئًا من ديمومة الإيراد، وتحفظ لهم ماء الوجه، وننمّي ثقتهم في الله أولاً، ثم النفس والوطن.. فأهلُنا أوْلى بخيرنا ثم أوْلى.