عثمان بن حمد أباالخيل
في عصر الأنا، عصر حب الذات والنرجسية. هناك ضمائر ميتة لا تعرف الحساب لا يحمل صاحبه إنسانية في داخله ويحمل كل الصفات الخبيثة والأخلاق الرديئة. والضمير شيء حسي بداخل القلوب فعندما يغرق القلب بالظلمات والتكبر والغرور يصبح صوت الضمير يكاد يكون منعدمًا. وحين ينعدم يتغير الإنسان إلى مخلوق آخر. والضمير الذي في داخل الإنسان ربما داخل القلب يعطي استعدادًا نفسيًا لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحسن واستقباح القبيح منها. والضمير الذي في داخلنا يتناول ما قمنا به في الماضي ويكون جهازًا يعاتب صاحبه على ما صدر ويجعله لا ينام ويهدأ هذا إذا ضميره حي ويأنبه وتأنيب الضمير ما يحسّه الفردُ من عذاب أو ندم أو اتّهام لذاته بارتكاب غلطة أو خطأ نتيجة سلوك قام به أما إذا مات فتموت معه كل الأحاسيس والقيم الإنسانية.
ما أكثر القلوب الغليظة من حولنا، والقلب الغليظ هو الذي نُزعت منه الرأفة والرحمة. {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}، في تفاصيل حياتنا اليومية نسمع الكثير عن القلوب الغليظة التي تعامل الآخرين بحدة والفظاظة والبعد عن التعامل الإنساني. للأسف أقولها بحرقة هناك نماذج في مجتمعنا قلوبها غليظة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحب الرِّفق في الأمر كله))؛ متفق عليه.
بغض النظر عن موقع الضمير في جسم الإنسان ومدى وجوده وشكله وحجمه، إلا أن هناك من يقول إن القلب هو موقع الضمير، إذًا الضمير والقلب توأمان إذا صلح القلب صلح الضمير والعكس صحيح، القلوب الغليظة تحمل ضمائر ميتة، كفانا الله جميعًا الضمير الميت والقلب الغليظ. هل صحيح الضمير قد رحل في هذا الزمن، وأصبح الناس بلا ضمير، هذا رحيل مستحيل لأن الناس الطيبة التي تفعل الخير وتراعي من حولها وتؤمن ببقاء القيم الإنسانية بين الناس كثيرة لكنها أحيانًا تغفل وتنسى الضمير الذي في داخلها. الإنسان الحي ليس بمعني الحياة بل بمعني قلبه حي بالحب لا يمكن أن تنام عينه وضميره يؤنبه.
التسامح ومن ثم التسامح مفتاح لتلك القلوب الغليظة التي ترى الحياة من خرم إبرة، التسامح يُلين القلب ويجعله يشعر بألم ما يقوم به مع الآخرين، قال الله تعالى: {الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمرن (134). إن عدم التسامح بين الناس دليلٌ على تغلغل الشيطان في تفاصيل حياتنا ونبذه والتعوذ منه وطرده سوف يعود بالإنسان إلى طبيعته التسامح، ويغض الطرف عن هفوات الآخرين.
أخيرًا «إن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين».