أعلنت وكالة الطاقة الدولية مؤخراً الإفراج عن 60 مليون برميل من النفط الخام من الاحتياطيات الإستراتيجية للدول الأعضاء بشكل متزامن مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن الإفراج عن 180 مليون برميل من احتياطيها الإستراتيجي لمدة ستة شهور قادمة بمعدل مليون برميل يومياً. هذه المحاولات للتأثير على أسعار النفط هي حملة سبقتها عدة حملات وإفراجات كلها لم تحقق الهدف المرجو منها وهي تخفيض أسعار النفط.
الاحتياطيات الإستراتيجية عند إنشائها لم يكن التأثير على أسعار النفط أحد أهدافها، بل بعض الدول لديها قوانين تمنع استخدام الاحتياطي الإستراتيجي للتأثير على الأسعار، والهدف الرئيسي لإنشائها كان اللجوء لها وقت الطوارئ والحروب والأزمات، ولذلك أرى استخدامها في الوقت الحالي للمرة الخامسة منذ إنشاء الوكالة عام 1974 يعد مؤشراً على مدى الضغوطات التي تشعر بها الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. والمثير والغريب أن ارتفاع أسعار النفط والطاقة بشكل عام كان بسبب السياسات التي اتخذتها هذه الدول للحد من استهلاك النفط والغاز والتحول لما يُسمى الطاقة الخضراء بشكل سريع وغير عقلاني مما رفع أسعار الطاقة في كل دول العالم. الاقتصاديون يعلمون جيداً أن الدول المنتجة للنفط وبالذات دول أوبك ليست الملام في ظل الظروف الحالية ويجب أن لا تستخدم كشماعة لأخطاء الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية.
السؤال: ما مدى تأثير ضخ ما يقرب من 260 مليون برميل من النفط على مدى ستة شهور قادمة على أسعار النفط على المدى قريب والمتوسط؟ والإجابة على هذا السؤال ليست بتلك البساطة وليس هناك إجابة واضحة ومحددة لأن العوامل المؤثّرة على الأسعار في الوقت الحالي كثيرة ومعقدة ومتداخلة وأحياناً متضادة! ودعونا نبدأ من أسعار النفط بالأمس، حيث زادت أسعار النفط إلى 105 دولار للبرميل على الرغم عن الإعلان عن ضخ مئات الملايين من البراميل. هذه الزيادة أتت بعد إعلان فشل المفاوضات الروسية الأوكرانية. الظروف الجيوسياسية عملت بشكل عكسي ومضاد للزيادات الضخمة المعلنة من وكالة الطاقة الدولية. البعد الجيوسياسي وبالذات الحرب الروسية الأوكرانية أضاف متغيراً جديداً لمعادلة أسعار النفط. المشكلة الحقيقية للسوق ليست في أساسيات السوق من عرض وطلب ولكن في عدم اليقين والمخاوف من أي انقطاعات في النفط قد تسببها الحرب في حدود أوروبا الشرقية ولذلك مهما تم ضخ المزيد من النفط في الأسواق يبقى المتغيّر الجيوسياسي ثابتاً ومؤثراً في اتجاهات السوق النفطي. غير أنه في ظل الظروف الطبيعية يمكن أن نتوقّع انخفاضاً للأسعار على المدى القريب ويعقبها ارتفاع للأسعار لاحقاً عند ملء هذه الاحتياطيات الإستراتيجية. لذلك أي استخدام للاحتياطيات الإستراتيجية يعني مجرد ترحيل لارتفاع أسعار النفط للمستقبل وإن كانت هناك عوامل أخرى لا يتسع المجال للتفصيل فيها.
الخلاصة أن استخدام الاحتياطيات الإستراتيجية لا تعني بالضرورة انخفاض الأسعار، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال معرفة اتجاهات الأسواق في ظل ظروف كثيرة متداخلة وفريدة تجعل العاقل حيران!
** **
د. مسفر بن كحلة - باحث في شؤون الطاقة