أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الأصل الشرعي بتظاهر النصوص الصحيحة: أنَّ السواك مطهرةٌ للفم، مرضاة للرَّب.. وأنه من سُنن الفطرة، ومِن خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يود أن يأمر أمته بالسواك عند كل صلاة، وعند كل وضوء؛ ولم يأمر بالإيجاب رحمةً بأمته؛ إذ يخاف أنْ يَشُقَّ عليهم؛ فمن قال: (السواك سُنَّة في الصيام قبل الزوال وبعده): لسنا بحاجَةٍ إلى مطالبته بالدليل على سُنية السواك في خصوص الصيام؛ لأنَّ عندنا الأصلَ الشرعيَّ بأنَّ السواك سنةٌ مؤكدة في كلَِّ وقتٍ بلا استثناء في الليل والنهار، وفي الصيام والفِطْر؛ وإنما نُطالبه بالدليل على عدم جوازه في الصيام؛ لأنه مُستثنى من حُكْمِ الأصل، ومن خرج عن عموم مقتضى الأصل فعليه الدليل.. وقد يستدل من قال بسنية السواك في رمضان بقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه: (رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أُحصي يتسوَّك وهو صائم).. رواه الترمذي وحسنه، ورواه أبو داوود السجستاني، وأبو داوود الطيالسي، وأحمد، والدارقطني، والبيهقي؛ ومداره على عاصم بن عبيدالله؛ وهو ضعيفٌ بإجماعٍ؛ لسوء حفظه، وتغفيلِه، وكثرة وهمه، وفُحْش خِطئه؛ ولكنْ لا يَرِدُ على المستدل بهذا الحديث على أنه أصْل بحديثٍ ضعيف؛ لأنَّ دليلَه الصحيحَ شاهدٌ لأصل الأحاديث في سنية السوك؛ والشهادة للأصل ترفع احتمالَ سوءِ الحفظ لدى الراوي المضعِّف؛ وهكذا يُسْتدل بحديث: (مِن خيرِ خصالِ الصائمِ السواكُ) رواه ابن ماجه، وفي إسناده مجالد بن سعيد؛ وهو سيِّىءُ الحفظ، ولكنه شاهِدٌ للأصْلِ؛ فهذان حديثان يتم دليلُ استحبابِ السواك في الصيام بدونهما، ولكنهما يزيدان دليلَ المستدل قوةً لا في تأسيس الحكم؛ بل في دفع المُعارِض؛ لأنهما نصٌّ عيني في موضوع الدعوى؛ ولأن من كرهوا السواك للصائم بعد الزوال احتجوا بحديث: (إذا صمتم فاسْتاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشِيِّ).. رواه البيهقي والدارقطني والطبراني في الكبير، ورواه بعضهم موقوفاً، ورواه بعضهم مرفوعاً؛ وهو ضعيفُ الإسناد جِدّْاً لا يقاوِمُ حديثَ عاصم ومجالد في خصوص الدعوى؛ وهما أرجح منه، ولا يقاوِمُ الأصولَ الصحيحةَ القطعية في عمومِ الدَّعوى؛ وإنما كَرِه السواكَ آخرَ النهار الإمامُ أحمدُ رحمه الله تعالى في إحدى الروايتين، وإسحاقُ، واختار الإمام ابن تيمية مذهبَ الجمهور؛ وهو أنه لا بأس به في الصيام بإطلاق رحمهم الله جميعاً.
قال أبو عبدالرحمن: والمحَقَّقُ: أنه مُسْتَحبٌ، شديدُ التأكيد في الصيام بإطلاق، وليس مجرَدَ جائز؛ لأنَّ الأصلَ الشرعي يقضي بتأكيدِه؛ فلا نزول عن الأصل إلا بدليل، ولا دليلَ؛ وإنما استدل من كرهه آخرَ النهار بأنَّ السواك إنما استُحِبَّ لإزالة رائحةِ الفم.. وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قولُه: (لخلوف فمِ الصائمِ أطيبُ عند الله من ريحِ المِسْك)، وإزالةُ المستطاب مكروهةٌ كما في كتاب (المغني).
قال أبو عبدالرحمن: حديثُ (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك): لا يرِد على الأصل في عموم سُنِّية السواك؛ لأنَّه ليس فيه أنَّ فمَ الصائمِ بالخلوف أطيبُ عند الله من ريحه بلا خلوف؛ بل رِيحُه بلا خلوف أطيبُ من باب أولى؛ فإذا وُجِدَ الخلوفُ فهو أطيبُ من رِيح المسك تَكْرِمةً للصائم.. وإزالةُ الخلوفِ وإنْ كان ههنا مستطاباً: ليس مكروهاً؛ لأنه انتقالٌ من مستطاب إلى أطيب، وهذا ما أجاب به معاذ بن جبل رضي الله عنه كما روى ذلك الطبراني بإسناد جيد.. قال: عن عبدالرحمن بن غنم قال: سألتُ معاذ بن جبل : أتسَّوكُ وأنا صائم؟.. قال: نعم.. قلتُ: أيُّ النهار؟.. قال: غدوةً أو عشيةً.
قال أبو عبدالرحمن: الناسُ يكرهونه عشيَّةً، ويقولون: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك)؛ فقال معاذ رضي الله عنه: سبحان الله!!.. لقد أمرهم بالسواك ، وما كان بالذي يأمرهم أنْ يُنْتِنوا أفواهَهُم عمداً، ما في ذلك من الخير شيءٌ؛ بل فيه شرُّه؟!.. ومَن كره السواكَ للصائم آخرَ النهار مِن أجْلِ حديثِ: (لَخلوفُ فم الصائم..)؛ فمعنى ذلك أنه خصَّص عمومَ الندب، وصرفه إلى خصوصِ الكراهة في الصيام.. ومن أبقى السُّنِّية على عمومها: فقد عمل بجميع النصوص كاملةً، ولم يفرض عليه توارداً، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والله المُستعانُ.
** **
(محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عَنِّي، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين