د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** في مستهلِّ صيفِ عام 2011م (منتصف عام 1432هـ) شعر صاحبكم بتعبٍ مُمضٍ مفاجئٍ في ظهره شخَّصه الأطباءُ بوسمه «انزلاقًا غضروفيًا شديدًا»، عانى وما يزال يُعاني منه، سائلًا اللهَ مدّهُ بالصبر والأجر، أما توقيتُ بدء إصابته فلم يجئْ لتوثيقٍ تفردَ به وإنما لفوات مناسبتين حزينتين لم يُشاركْ فيهما؛ أولاهما: عند وفاة الصديق الغالي الأستاذ عادل بن عبدالعزيز القاضي رحمه الله ( رجب 1432هـ - يونيو «حزيران» 2011م) فلم يُصلِّ عليه في الجامع، ولم يشهد جنازته، وتحامل على نفسه فزار بيت المرحوم وعزَّى من استطاع لقاءه قرب الباب الخارجي لعدم مقدرته على ما وراءه، أما الثانيةُ فلم يقدرْ على القيام بأقلِّ الأقل حين رحيلِ عرَّاب الإدارة السعودية معالي الأستاذ فهد بن سعود الدغيثر بالرغم من فارق عامٍ بين الوفاتين ( يوليو «تموز» 2012م ) رحمه الله؛ فالانزلاقُ أو ما يسمى « الدسك Disc «– وقاكم الله شرّه – مرضٌ مزمنٌ مؤلم، والمفارقة اتفاقُ نطقِ اسمه مع «الديسك الصحفي «المعنيِّ بالصياغة Desc Editing، وفي كليهما عناء.
** ليس هذا الجزءَ الأهمَّ في الحكاية وإن كان الموجعَ فيها، وهنا لا بدَّ من إشارةٍ غير عابرةٍ قبل إكمال الحكاية؛ فالعمل الإعلاميُّ الناجحُ لا يقبل التفويض، ولا أحد يمكنُ له أن يستعيرَ صوتَ غيره أو قلمَه أو وجهَه أو أداءَه، ومن يسعى للنجاح فليحملْ همومَ عمله منذ ألف البدء حتى ياء الختام، ولن يُنتقدَ لمركزيةٍ أو انفرادٍ؛ فمقالك هو أنت، وصفحتك هي أنت، وبرنامجك أنت، ولتكن أنت أنت، ولا شيءَ إلا أنت.
** مكث أشهرًا في منزله «مستلقيًا» على سريرٍ حديديٍ قاسٍ لا يغادره إلا بعسرٍ شديدٍ للعلاج الطبيعيِّ وما يدخل في قائمة الضرورات، وكانت كلماته -عبر الوسائط الرقمية- تبتدئُ بجملة: «ياربَّ السقف»، ومع هذا فلم يتوقفْ عن كتابة زاويته الأسبوعية مستعينًا بمن يمسكُ له الجهازَ اللوحيَّ أو يستقبل إملاءَه من أولاده، مثلما واصل الإشراف اللصيق على «المجلة الثقافية «مستعينًا بالوسائط الرقمية إرسالًا واستقبالًا، وببعض القريبين من دائرته ليقينه أنها لن تظهرَ كما يشاؤها لو فكّرَ بأخذ إجازة مَرَضيةٍ ما دامت صفتُه مديرَ تحريرِها، ويستعيدُ أنه سبق له أنْ طلب إيقافَها في الصيف وقت سفره بعدما جُرِّب صدورُها من غيره بصفحاتٍ أقل ولكن دون لونٍ أو طعمٍ، ولا يعني هذا تميزًا يدّعيه؛ فسواه أقدرُ منه وأجدرُ، ولكنها المسؤوليةُ الإعلاميةُ المُناطةُ بالشخص نفسِه اسمًا ووسمًا ورسمًا، أما لو كان عملًا آخرَ فالأمرُ مختلف؛ إذ اعتاد بل اعتمد – في تجربته الإدارية العريضةِ - التفويض الكامل.
** كذا هو قدرُ الإعلاميِّ؛ فيومُ عمله ممتد، ونطاقُ محاسبته مترَصَّد، وسواءٌ أجاء الخللُ من محررٍ أم مصححٍ أم فنيٍ أم مراسلٍ أم رقيبٍ أم كاتبٍ، أم من الدِّسك أو الفرز أو المطابع فهو وحده في الصورة، وهو المُطالَبُ بالتبرير والتفسير والاعتذار والإقرار، ويحمدُ اللهَ صاحبُكم إذ هيَّأ له من يفهمُه ويتفاهمُ معه، ويُقيلُه ويَقبله.
** الصِّحافةُ انزلاقٌ ومزالق.