منال الحصيني
لا غرو أن تجد محافظة العلا بتلك المقومات التاريخية العريقة ذلك الاهتمام من المستكشفين، خلال زيارتهم للجزيرة العربية ما بين عام 1880م إلى 1964م، فمن دراسة الرحالة الإنجليزي جيمس كوك التي كانت بعنوان «الكتابات السامية الشمالية» إلى ذهول «22» دولة في اجتماع لجنة التراث العالمي التابعة لليونيسكو عام 2008م، ليقرّوا على اعتماد «موقع الحجر» «مدائن صالح» ضمن قائمة التراث العالمي، يتخلل ذلك زيارة العديد من الرحالة المسلمين للعلا أثناء رحلاتهم للحج «كابن بطوطة» و»عبد القادر الجزيري».
لكن ما يزيد المنطقة تشريفاً عندما اختط الرسول - عليه الصلاة والسلام - «مسجد العظام» وما زال قائماً حتى هذا الوقت منذ السنة 9 للهجرة، حقاً هي جديرة بأن تكون عاصمة الآثار وبلد الحضارات، فمن «دادان «وروعة منحوتاتهم التي خلدها التاريخ الذي تشهده «مقابر الأسود» إلى «الأنباط» حيث مدائن صالح وروعة النحت الذي امتزج بجمال النقوش والكتابات التي يسميها أهل المنطقة حالياً «القصور» لتفرد جمال بنائها على مر العصور.
مروراً بـ«قلعة مرسى بن نصير» التاريخية إلى «سكة قطار الحجاز» وانتهاء بـ «الطنطورة»، وهي تلك الساعة الشمسية التي يعرف بها أهالي المنطقة قديماً مواسم الفصول ونحوه، جميعها شواهد حاضرة تحكي زمناً يُخبر كل زائر لها عن هذا الإرث التاريخي العظيم.. إنها العلا، جذبت طلاب العلم والمهتمين بالحضارات والمعالم المكانية وصناع القرار.
ففي عام 2017م صدر القرار الملكي بإنشاء هيئة ملكية لتطوير مدينة العلا يرأسها ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان آل سعود»، حيث اشتملت الرؤية الملكية على تطوير البنية التحتية مع التشديد على الحفاظ على تراثها وتاريخها وإبراز ذلك بالمرافق المتنوعة، فقد استقطبت المملكة الخبرات الفرنسية لتطوير المواقع التراثية بموجب اتفاقية تعاون مشترك بين البلدين تشمل على التعاون الثقافي والسياحي والتبادل المعرفي.
فالتطوير لمدينة «العلا» استمر بصورة أكبر بعد خطة استثمارية طرحتها وزارة الخارجية السعودية تسعى لإقامة مشاريع سياحية وتراثية، فلا غرابة لهذا الاهتمام، حيث إن المنطقة يزورها 30 ألف سائح من داخل وخارج المملكة وفقاً لإحصاءات الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة.
وقد عزمت الهيئة الملكية للعلا على رسم خارطة طريق طموحه لحماية وإحياء وتأهيل والحفاظ على العلا بشكل مستدام انطلاقا من المعالم الطبيعية الأثرية منذ آلاف السنين، حيث يبدأ العمل بالفعل في جميع القطاعات التنموية من المجتمع، والفنون، والثقافة، والتراث، وعلم الآثار، والطبيعة والحياة البرية، والزراعة والسياحة والضيافة والبنية التحتية.
حقاً جهود جبارة تشكر عليها حكومتنا الرشيدة ابتداءً بهرم التنمية القائد الوالد الملك « سلمان بن عبد العزيز آل سعود» - حفظه الله - وولي عهده الأمير «محمد بن سلمان آل سعود» وانتهاء بالهيئة الملكية بكل منسوبيها على رأسهم محافظ الهيئة الملكية لمحافظه العلا الأمير «بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود»، وكذلك المهندس «عمرو المدني» الرئيس التنفيذي للهيئة، فهم الأيادي البيضاء التي ساهمت في ازدهار المنطقة. لك أن تتخيل روعة المكان بكل تضاريسه في ظل جهود الهيئة الملكية، فالزائر للمكان يجد نفسه في مكان منقطع النظير كما لو كان في بلاد العجائب فحينما تطأ قدمك - القرية التراثية - تجد امتزاجا عجيباً بين عبق الماضي وأصالة الحاضر، سيدهشك الحفاظ على كل ما هو قديم بأسلوب عصري لافت للنظر.
وعلى مقربة منه ستجد قدمك حلت - بمسار البرتقال - حيث أشجار البرتقال يتوسطها مقهى «الجمل الوردي»، ستنطلق حيث تنتهي في سوق الحمضيات ويمكنك شراء المنتجات المصنوعة محليًا من الصابون والزيوت المشبعة بالحمضيات وحتى العصائر المنعشة.. أما إذا كنت من عشاق الحفلات الموسيقية فلا تفوت فرصة الحضور لأروع الحفلات في مهرجان - شتاء طنطورة - لألمع نجوم الفن.
مقابر الأسود
على بعد أميال ستشاهد - مقابر الأسود - الأثرية منحوت على واجهتها رسم لأربعة أسود يعود تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد أي في الفترة الأولى من مملكة دادان، وربما يكون البعض من هواة التاريخ والحضارة هناك، سيأخذك «الرواة» في - مدائن صالح -
في جولة كاملة ستعيش فيها قصة المكان بكل تفاصيله عبر تطبيق لا يعمل إلا في منطقة مدائن صالح، يمكن للزائر مشاهدة ما كان الأنباط يفعلونه من خلال تحريك الهاتف وتوجيه الكاميرا على الموقع المراد معرفته، فمدائن صالح «تحفة الأنباط على أرض السعودية».
جبل عكمة
أما إذا كنت من هواة التاريخ ومعرفة الحضارات فما عليك إلا زيارة - جبل عكمة - مكتبة السعودية المفتوحة لاحتوائه على مئات النقوش والكتابات على منحدراته وواجهاته الصخرية التي تعود إلى فترة الدادانيين واللحيانيين تحكي تاريخ المنطقة والحياة فيها خلال تلك الحُقب التاريخية المختلفة.
واحات النخيل
تعتبر إرثاً غنياً من الزراعة يمد الصحراء بالحياة، فـ «وادي القرى» يحتضن قلب العلا النابض ليمد النخيل والمحاصيل من منبعه لتصبح تمور المنطقة محط أنظار الأسواق العالمية المستوردة، فجهود الهيئة مضنية في إطلاق مهرجان للتمور وذلك ضمن خطتها لتطوير القطاع الزراعي في المنطقة واستدامته لأهميته كرافد اقتصادي للعلا.
مطل الحرة
لكن إذا كنت من هواة المناظر الساحرة من قمة الجبل لابد لك من زيارة - مطل الحرة - ستتمكن من الاستمتاع بإطلالة خيالية على المعالم الطبيعية والأثرية حيث تُوفر التلسكوبات لضيوف المطل فرصة مميزة لمراقبة المزيد من الأبراج والنجوم والأسرار الفلكية.
غراميل العلا
ربما تكون من هواة مراقبة الفلك والنجوم فلابد لك من تجربة تأمل النجوم في - غراميل العلا - فهي سحر صحراء العلا يمكنك تأمل النجوم تلمع في سماء صافية ليلاً تأخذك إلى عالم شاعري أبعد من النجوم.
هوايات رياضية للزوار
أما إذا كنت ممن يحبون الرياضة فحدث ولا حرج فقد ذللت الهيئة الملكية كل الصعاب لتوفير هوايات الزوار، يمكنك ركوب الجمال في «وادي عشار» أو حضور سباق التحمل للخيول العالمي وربما يمكنك الاستماع بمغامرة مشوقة للسفاري في سيارات كلاسيكية ومشاهدة الحيوانات البرية في أحضان - محمية شرعان الخلابة - .
هواة التصوير الفوتوغرافي
لم تنسَ الهيئة الملكية هواة «التصوير الفوتوغرافي» من خلال مهرجان دولي تحت اسم ( كورتونا اون ذا موف العلا) يعرض الأعمال الإبداعية لثمانية عشر مصوراً من حول العالم. أما الفنانون التشكيليون فقد كان لهم نصيب الأسد في «صحراء إكس العلا»، حيث عرضت أعمالهم في قلب الصحراء لدمج أعمالهم مع الطبيعة.
العجائب الجيولوجية
أما إذا لو كنت من محبي العجائب الجيولوجية فما عليك إلا التوجه - لجبل الفيل - فهو مازال مسجلا عالميا ضمن عجائب الجيولوجيا يسكن في قلب الرمال الصحراوية الذهبية في العلا، ويُجسد هذا الجبل الشهير شكل خرطوم وجسد الفيل نُحت بفعل قوة الطبيعة على مدار ملايين السنين، فقد اهتمت الهيئة بتطوير المكان ليصبح وجهة سياحية يمكنك الاستمتاع بالنكهات الغنية في عربة طعام تتربع الصحراء أمام جبل الفيل في قائمة «سولت».
يمكنك تجربة - المناطيد - الملونة في سماء العلا في تجربة مشوقة ومغامرة متنوعة ستعيش بها فعالية استثنائية.
أما عن جولة - هيلكوبتر العلا - ستمكنك من اكتشاف المناظر الطبيعية الخلابة من أعلى ستطير فوق سبعة من أشهر معالم المواقع الأثرية.
أما عن المرآة التي تعكس جمال العلا فلابد لك من زيارة - قاعة مرايا - تلك التحفة الفنية التي تتربع الأودية الصحراوية كسراب بين تلك الكثبان تعكس بمراياها جمال العلا.
وللسياحة والفندقة جهود جبارة من قبل الهيئة الملكية في العلا فقد أطلقت برنامج الابتعاث لإعطاء أبناء وبنات المنطقة فرصة للمساهمة في تنمية وصقل معارفهم وقدراتهم في المجالات والتخصصات المختلفة لتلبية احتياجات سوق العمل في السياحة والضيافة والتاريخ وعلم الآثار والفنون والزراعة والتصميم والتخطيط الحضري وإدارة المرافق والخدمات والمتاحف وعلوم البيئة وإدارة التواصل.
كما ستسحرك فكرة الخلوة الصحراوية في أجواء من الضيافة العربية الكريمة في منتجعات وكرافانات العلا، فهي تقدم مجموعة متنوعة من أماكن الإقامة بدء من المنتجعات الفاخرة والفلل الراقية وصولا إلى الكرافانات المحاطة بعجائب الطبيعة.
ستكون رحلتك لتلك الوجهة التاريخية عبر مطار الأمير «عبد المجيد بن عبد العزيز» الدولي الذي سيحيي فيك الإرث العريق لطريق البخور القديم لتكتشف مكانة العلا عبر التاريخ حينما كانت هذه المنطقة ممراً لطريق القوافل من الشام والهند في أقصى الشرق إلى جنوب الجزيرة العربية فالغاية واحدة لكن الزمن تغيّر.