أَتَيْتُ مِنْ قَدَرٍ يَهْذي
ومِنْ سَفَرٍ يَهْذي
ومِنْ جَسَدٍ لم يَتَّخِذْ بَلَدا
أَتَيْتُ أَحْطِبُ كُوخَ العُمْرِ
عَلَّ يَدًا سَتَحْضِنُ الآنَ في العُمْرِ البَعيدِ يَدَا
أَتَيْتُ أَعْزَلَ
حَوْلي عَالَمٌ عَلِقَتْ فيه الحُرُوبُ ،
ولَمْ تَتْرُكْ لَهُ أَحَدا
وَحَوْلِيَ العَبَثُ المُمْتَدُّ في جِهَةٍ فَوْضى
فَيَا عَبَثي هَلَّا تَكُونُ هُدَى ؟!
كَأَنَّني في سِيَاجِ الوَقْتِ
دَائِرَةٌ تَسْعى ،
فَتَأْكُلُ في أَجْرَاسِها الأَبَدا
كَأَنَّني آخَرٌ تَدْنو سُلالَتُهُ
مِنَ الضَّيَاعِ
تُنادِي: إنَّ لي مَدَدا
وعِنْدَما نُكِئَ الجرْحُ القَريبُ
تَلا هذا الدَّواءُ نَشِيدَ العَابِرين سُدَى
وظَلَّ يَتْلو ويَتْلو
إِنَّ قارِئَةَ الفنْجَانِ تَتْلو على أَرْواحِنا المَسَدا
هذا الخُلُودُ
أَبٌ لمَّا يَخُنْ وَلَدًا
هذا الفَنَاءُ
أَبٌ لمَّا يَخُنْ وَلَدَا
***
ورُحْتُ عَنْهُمْ بعيدًا
سَوْفَ يَلْفَحُهُمْ ظِلِّي
وظِلِّي بهذا المُنْتَهى ابْتَعَدا
وسَوْفَ يَلْفَحُهُمْ مائي
وبي ظَمَأٌ للآن يَشْرَبُ أَقْدامي وما نَفَدا
وسَوْفَ يَلْفَحُهُمْ ما كَانَ مُخْتَبِئًا
وسَوْفَ يَلْفَحُهُمْ ما كَانَ مُحْتَشِدا
مِنْ ثَمَّ يَرْتَبِكُ الإِنْسانُ
إِنَّ فَتًى تَشَرَّبَ اليُتْمَ في دُنْياه لَنْ يَلِدا
سَيَخْتَفي في ظِلَالِ الليْلِ
يَدْفِنُهُ حَدْسٌ على صَلَواتِ الوَحْي ما وَفَدا
وحين يَدْفِنُهُ حَدْسٌ
سَتُخْبِرُهُ مَشِيئَةُ القَبْرِ أَنَّ الحَدْسَ قد رَقَدا
فارْكُضْ غِيابَيْنِ
وارْكُضْ حَيْثما وَقَفُوا
فَخَلْفَكَ الآنَ حُزْنٌ يَهْزِمُ السُّعَدا
ولا تُوارِبْ جُمُوعَ التَّاسِ
إِنَّ لَهُمْ سَيْفًا تَخَيَّرَ أَنْ يَلْقَاكَ مُنْفَرِدا
ولا تُوارِبْ فَتًى أَعْمَى
يَرَى -خَطَأً- بِكُلِّ قَاعٍ ضَرِيرٍ بَسْمَلاتِ مَدَى
***
وجِئْتُ..
تَبْتَهِلُ الآبَادُ مِنْ جَسَدي
فَكَيْفَ أَمْنَحُ أَحْلامَ الثَّرَى جَسَدا ؟!
وجِئْتُ..
واحْتَطَبَ النِّسْيانُ فِيَّ يَدًا
متى تَكُونُ يَدُ النِّسْيانِ لي سَنَدا ؟!
وجِئْتُ..
واسًّاقَطَ المَعْنى بِخاصِرَتي
مَعْنايَ أوَّلُ صَوْتٍ دَاخِلي جَحَدا
فاصْعَدْ على خَوْفِكَ المَبْحُوحِ
كُنْ شَجَرًا يَهُزُّ فَاكِهَةً حُبْلى إذا صَعدا
وبَعْدُ ؛
كُنْ ذِكْرَياتٍ ظَلْتَ تَحْرُسُها مِن النُّدُوبِ ،
وكُنْ وَرْدًا يَضُجُّ نَدى
تَقولُ لي الدَّارُ :
بابي عَاشَ مُنْطَفِئًا
وحين جَئْتَ أَضَاءَ البَابُ واتَّقَدا
يَقولُ لي سَفَرٌ يَصْطَادُ غُرْبَتَهُ :
الشِّعْرُ أَنْتَ وَوَحْيُ الشِّعْرِ مُنْذُ شَدا
** **
- حسن عبده صميلي