فجع طلاب الدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان ومحبوه وعارفوه بوفاته في شهر رمضان المبارك من هذا العام (1443هـ) عن عمر قارب الثمانين عامًا إذ هو من مواليد مدينة بريدة في القصيم عام 1364هـ/1944م رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
وبوصفي من طلابه وعارفي فضله وقدره ومكانته فقد رأيت لزامًا أن أكتب عنه، وبدءًا أشير إلى أنني لم أتتلمذ على يديه في المرحلة الجامعية؛ لأنني درست في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، وليس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، غير أنني التحقت بعد ذلك، وبالتحديد في عام 1411هـ/1990م بالدراسات العليا في كلية اللغة العربية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ضمن طلاب السنة التمهيدية للماجستير، وتخرجتْ دفعتنا في العام الذي يليه؛ نظرا لتوقف الدراسة عدة أشهر بسبب أزمة الخليج.
وفي عام 1413هـ/1993م أعددت خطة الماجستير تحت عنوان «السيرة الذاتية في الأدب السعودي»، وأُسند الإشراف إلى الدكتور عبدالحميد إبراهيم- رحمه الله-، وزرته في شقته بالخزان لرسم خطة إنجاز الرسالة، غير أن القسم رأى أن موضوع الرسالة يتطلب أستاذًا سعوديًا، فنقل الإشراف إلى أستاذنا الدكتور إبراهيم بن فوزان الفوزان- رحمه الله-، ومعه بدأت رحلة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه كذلك.
وقد حضرت في بداية إشرافه علي في الماجستير في المدة من (1413-1417هـ) محاضرة له على طلاب المستوى الثامن (الأخير في الكلية)، وهي عن الأدب في المملكة العربية السعودية، وكان الهدف التعرف بشكل أكبر على شخصية أستاذنا وطريقته واهتماماته، ثم إن رسالتي في الأدب السعودي وفي المسار نفسه.
وفي الشهور الأولى من عملي في الرسالة نبّهني بعض الأساتذة في الكلية على أمر، وهو أن المشرف يملك مكتبة غنية جدًا، وأن علي أن أطلب زيارتها والاستفادة منها، والاستعارة إذا لزم الأمر، غير أنني لم أفعل؛ ربما حياءً من أستاذي؛ وربما أن موضوعي جديد في السيرة الذاتية فقد لا تكون مراجعه متوافرة في مكتبته، وعلي البحث في المكتبات الحكومية والخاصة، حتى إذا فشلت في الحصول على مصدر أو مرجع مهم، طلبت زيارة مكتبته.
هذا تفسيري الآن لما حدث، وبفضل الله تيسّرت مصادر البحث ومراجعه، وأنجزت الرسالة بعد سنوات ربما طالت، ونوقشت في المحرم من عام 1417هـ/ مايو 1996م.
وكنت وقت إعداد الماجستير والدكتوراه موظفًا في وزارة الإعلام، ومثقلا بأعباء كثيرة والتزامات متعددة ومهامّ متنوعة وسفر داخل المملكة وخارجها، ولكن -بفضل الله-، ثم بمتابعة أستاذي الدكتور الفوزان ودعمه وتواصله وحثه على الإنجاز تهاوت العقبات وانفرجت المشكلات.
وكانت معظم المقابلات معه في منزله في حي الملز، وليس في مكتبه بالجامعة، وكان يعاملنا بوصفنا ضيوفًا وليس بوصفنا طلاب دراسات عليا، ويحرص على إعداد ضيافة متكاملة بإشراف من زوجته أم أديب متعها الله بالصحة والعافية.
ووقتها لم أكن أحسن الطباعة، وتسلّم للمشرف الفصول والمباحث مجزأة فينظر فيها ويبدي رأيه في التناول والتحليل والتوثيق، وسوى ذلك من جوانب يعرفها حق المعرفة طلاب الدراسات العليا، وكان يوجّه بتنوع المراجع اللغوية وألا أقتصر على مرجع واحد، وبأهمية إنصاف الأدب المحلي وألا أستند على كلمات مصدرها التواضع وفيها تقليل من شأنه وتأثيره، وأذكر أنه ألغى صفحة كاملة لهذا السبب.
وإذا كانت صحبتي العلمية لأستاذي الفوزان بلغت عشر سنوات (1413-1423هـ)، وهي مجمل السنوات التي أعددت فيها رسالتيْ الماجستير والدكتوراه، فإنه من الصعب اختصار ما تعلمته وما استفدته من علم وتوجيه وخلق، ولذلك لا أملك إلا الدعاء له بظهر الغيب أن يجزيه عني وعن طلابه خير الجزاء وأوفاه، فلقد كان حفيًا بنا وحريصًا علينا، مخلصًا في أداء عمله وفي الوفاء بواجبه رحمه الله رحمة واسعة.
ومن حسن الطالع أن الصلة بأستاذي امتدت وتواصلت بعد حصولي على الدكتوراه إذ انتقل عملي من وزارة الثقافة والإعلام إلى جامعة الإمام أواخر عام 1426هـ/2006م، وأصبحت ألتقي به كثيرًا في مكتبه، وفي جلسة القسم الأسبوعية التي يمولها بالشاي والقهوة وبأجود أنواع التمور من مزرعته الخاصة بالقصيم التي أتيح لي زيارتها بصحبة أستاذي د.محمد بن عبدالرحمن الربيّع والصديق سعد بن عايض العتيبي في صيف عام 1435هـ/2014م، وكانت زيارة لا تنسى إذ جمع لنا عددًا من تلاميذه في القصيم ممن أصبحوا أساتذة ومحاضرين وتناولنا الغداء على مائدته العامرة، وكانت فرصة لاستدعاء الذكريات القديمة مع زميله الدكتور الربيّع.
وقد غيّر أستاذنا مسكنه الذي ألفناه في حي الملز، وسكن حي الحمراء قبل خمس سنوات أو أكثر، وزرناه عدة مرات ، ومنها زيارة في أواخر شعبان من عام 1439هـ (مايو 2018م) بصحبة الصديق والزميل الدكتور إبراهيم التركي، ثم زرته بصحبة أستاذنا الدكتور محمد الربيّع في ذي الحجة من عام 1440هـ (أغسطس 2019م) لتعزيته في وفاة ابنه رياض رحمهما الله، ولكننا لم نره، فاكتفينا بتعزية أبنائه، ويبدو أنه كان متعبًا أو متأثرًا ومصدومًا ولم يستطع مقابلة المعزين.
وهذه المقالة التي أكتبها عن أستاذي وشيخي لم أرد أن تكون عن كتبه ونشاطه العلمي إذ هذا مجال يشترك فيه معي الجميع من الراصدين والمهتمين بالأدب السعودي ويعرفون قيمتها وأثرها؛ لذا حاولت أن تكون عن صلتي به وذكرياتي معه رحمه الله.
** **
أ.د.عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري - أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض سابقًا)