د. عبدالواحد الحميد
بكل الحزن ودعنا المربية الفاضلة الأستاذة نورة بنت محمد العديلي (أم راكان) التي رحلت عن عالمنا في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك الموافق 20 أبريل 2022م. كان الأسى كبيراً وفادحاً بالرغم من أن المرض العضال الذي لازمها طويلاً قد اشتد في الأشهر الأخيرة فأحكم قبضته ولم تَتَبَقَّ مساحة كبيرة في حسابات الطب للتفاؤل سوى غوث يأتي من الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، فوَقَعَ رحيلُها كالصاعقة على محبيها وعارفيها.
رحلت أم راكان بعد هذه المعاناة الطويلة لتترك فراغاً في حياة وقلب كل من عرفها وليس فقط في حياة وقلوب أفراد أسرتها، فهي - على المستوى الشخصي الإنساني - جُبِلت على نُبل السجايا وحميد الأخلاق، وهي في ميدان العمل مثالٌ للمربية القديرة التي خدمت سنين طوالاً في العديد من مدارس البنات في مدن ومناطق المملكة وكان لها حضورها المشهود في الميدان التربوي سواء كمعلمة أو إدارية على امتداد سنوات خدمتها الطويلة.
كانت رحلتها مع المرض العضال عصيبة وطويلة، فقد امتدت لحوالي ثماني سنوات متواصلة من المعاناة والتنقل بين المستشفيات داخل وخارج المملكة، وطيلة تلك السنوات لم يدب اليأس إلى قلبها ولم تفقد الأمل، فقد كان إيمانها كبيراً وكانت تتابع مراحل مرضها وتطوراته دون أن تفقد حماسها لحياة جميلة قادمة ودون أن تسقط في براثن القنوط، وأتذكر كيف أنها حين كانت في قمة معاناتها مع المرض لم تسعها الدنيا من شدة الفرح حين صدر كتاب زوجها الدكتور فهاد الحمد «حصاد الأيام» الذي روى فيه مسيرته في الحياة والعمل ومشوار عمرهما المشترك.
أما أسرة الراحلة العزيزة فقد كانت معاناتها فوق ما يمكن وصفه، وهي معاناة يومية استمرت طيلة السنوات الثماني دون انقطاع، وكان لكل فرد من أفراد الأسرة نصيبه الكامل الذي ارتضاه وقَبِله بكل حب وتفان حتى في الساعات الحالكة عندما قدَّر المستشفى الذي كانت تتعالج فيه الراحلة العزيزة أن الأمور قد وصلت إلى منتهاها فلم تستسلم الأسرة وأخذت تتنقل بين المستشفيات على مدى شهور عديدة وهي تعلم أن للطب حدوده حتى أخذ الله أمانته في الشهر المبارك.
أما زوجها، الدكتور فهاد الحمد، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الأسبق فقد ضرب أروع الأمثلة في الوفاء لزوجته أم راكان. لقد تغيرت حياته تماماً منذ اليوم الأول لظهور المرض الذي كان شرساً من البداية إلى النهاية، حيث كرَّس كل وقته لرعاية زوجته وضحى بكل شيء وألغى ارتباطاته وحَرَمَ نفسه من السفر ومن الكثير من مباهج الحياة. وبحكم علاقتي شبه اليومية مع الدكتور فهاد وصداقتنا القديمة التي لم تنقطع منذ أن كنا في مقاعد الدراسة في السنة الأولى الابتدائية التي جعلت منا مثل أخوين كنت أتابع تطورات المرض فكنت أعرف كيف كان يتسامى فوق آلامه عندما يتلقى من الأطباء النتائج المحبطة فيتظاهر أمام أم راكان بأن النتائج مبشرة، ثم يبذل أقصى جهد لإخفاء الحقيقة عنها. ولم تكن مهمته سهلة، فأم راكان رحمها الله كانت تتابع وتسأل وتحاور الأطباء وتدرك الحقيقة المرة.
وبرحيل الأستاذة الفاضلة نورة العديلي يُسدل الستار على حياة حافلة بالإنجاز وبالمحبة والحضور الجميل، ولكن يبقى الذكر الحسن والسيرة الطيبة التي يتناقلها الناس وتلهج الألسنة بالدعاء لصاحبتها التي رحلت إلى رحاب رب كريم. رحم الله أم راكان وغفر لها وأسكنها الجنة وربط على قلوب زوجها وأبنائها وبناتها ومحبيها.