إيمان حمود الشمري
أسدل الستار عن الجزء الثالث لمسلسل العاصوف بعد أن عشنا معه أحداثاً اعتقدنا أنها انتهت ولكننا اكتشفنا أننا لم نشفَ تماماً من جراحنا القديمة لأن بعض الحلقات لامستنا وآلمتنا وأعادت لنا ذكريات اعتقدنا أننا تخطيناها.
منذ 1990 فما قبل، لم يسلم مواطن سعودي سواء كان منضبطاً أو غير منضبط من انتهاكات المتعاونين مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخصوصياته، كانت جماعة تقتات على الفضائح والتشهير، ولازالت رواسبها النفسية عالقة بنا، لذا نحن ننشحن سريعاً عند مشاهدة تلك اللقطات، والكل يرى نفسه ضحية ذلك المشهد وذلك التدخل غير المقبول من فئة كانت تنصب نفسها وصية على خلق الله رغم وجود رب أسرة له أحقية بحماية أسرته.
منذ عام 1990 وأنا أتذكر صوت عبدالله رشاد عندما كان ينساب بعذوبة من المذياع لرائعة ماضي الماضي: (أرض الكويت تصيح إني رهينة... هيا أدركوني أنقذوني يا عرب، دوى بها فهد العروبة حكمة... ما نام قلبي والكويت (تغتصب).
منعت هذه الأغنية بعد فترة من بثها بسبب كلمة (تغتصب) التي أثارت حفيظة البعض باعتبار أنها غير لائقة ويجب حذف الأغنية صوناً للعرض!!، وتم حجب رائعة عبدالله رشاد تماماً، علماً بأن كلمة اغتصاب تعني كل ما أخذ عنوة ودون رضا الطرف الآخر.
لم تكن تلك الكلمة هي خيبتنا الأولى في تفسير الكلمات حيث عشنا سنوات ونحن ضحية المعنى الصحيح مما حرمنا من وضع الكثير من المفردات في مكانها المناسب خشية أن تفسر بطريقة مغلوطة يساء فهمها، سنوات وكلمة ناد رياضي حل عوضاً عنها مركز ترفيهي، ومشغل بدلاً من صالون، على الرغم من عدم وجود أي تغيير في النشاط، إلا أن المفردات كانت ولسبب ما أجهله يجب أن تتغير!! لذا تعددت المفردات وتوالت الخيبات!
منذ 1990 وكأنه اليوم، عقارب الساعة تشير إلى الثامنة مساءً، وشهر نوفمبر يوشك على الانتهاء، والوضع السياسي الخليجي في تصعيد مستمر، أمريكا كعادتها تشحن النفوس وتتخذ الصلح ذريعة لها لتحقيق مصالحها، وتهدد بضربة عسكرية قريبة إذا لم يستجب العراق للانسحاب الفوري غير المشروط من الكويت، والعراق لازال متمسكاً بلؤلؤة الخليج التي انفرط عقدها إثر هذا الشد من الجانبين.
وأنا لازلت أقلّب إبرة المذياع لسماع خبر جديد مطمئن يعفينا من الحرب التي قيل إنها ستكون الحرب العالمية الثالثة، تلتقط الذبذبات صوتاً رجالياً عذباً شجياً لمطرب لا أعرفه يغني:
لجلك يا أغلى أرض يا أرض أجدادي..... قال الفهد قول نحميك يا بلادي
واحلف برب البيت يا ديرة الأبرار..... نحررك يا كويت ولا نموت أحرار
عرفت فيما بعد أن الأغنية لمطرب سعودي مغمور يدعى (راشد الماجد)!!!
لم أكن أعلم أننا سننجو من الحرب، وأن تلك النار التي يؤججها الغرب بيننا لم تكن الأولى وحتماً لن تكون الأخيرة، وأن هذا الصوت العذب سيصبح فيما بعد سندباد الأغنية الخليجية.
عاد هذا الصوت من جديد ليغني تتر مسلسل العاصوف ويعيد لنا ذكريات اعتقدنا أننا نسيناها: (الله يا وقت مضى..).