ياسر صالح البهيجان
هناك لغز يكتنف محدوديّة دور الأندية الأدبية في مدننا. لغز معقّد يجعلها مكبلة وغير قادرة على ممارسة وجودها الفعلي والملموس في الفضاء الثقافي العام. المسألة ما عادت مجرد أمسيات أو أوراق علميّة تقدّم بين الفينة والأخرى، بل تتطلب روزنامة ثقافية سنويّة حافلة بالمعارض والمؤتمرات والندوات والمنتديات واللقاءات المفتوحة والمهرجانات والتفاعل مع الأحداث الوطنية والإقليمية والعالمية. أي أنها بحاجة ماسة إلى الإحياء الحقيقي المواكب لحجم التحولات الناتجة عن رؤية وطننا الطموحة.
لنرمي حجرًا في المياه الراكدة، علينا أن نعيد تسميتها من أندية أدبية إلى مراكز ثقافية. هذا التغيير ليس شكليًا، أو مجرد تبادل فيما بين الأحرف، وإنما تحوّل يمسّ منظومة المستهدفات التي من الضروري أن تضطلع بها المراكز الثقافيّة، انطلاقًا من أن الأدب ليس إلا مكونًا واحدًا من مكونات الثقافة العريضة، وتغيير المسمى من شأنه أن يوسّع الأفق، ويُخرج الأندية من البوتقة الأدبية الضيّقة إلى فضاء الثقافة الرحب.
يُنتظر من المراكز الثقافية أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز القيم الجماليّة في المجتمع من خلال احتفائها بإنتاجات السكّان، وإبرازها للأعمال الفنيّة، وإيجاد حلقة وصل فيما بين الفنانين المخضرمين وشريحة الشباب التواقين إلى الاستفادة من خبرات من سبقهم في المجالات الإبداعية، إضافة إلى مساهمة تلك المراكز في وضع خريطة ثقافية لكل مدينة سعوديّة، تنطلق من هويتها وتراثها المحلي، وتُدمج برامجها مع المشاريع التنمويّة الأخرى، لتُؤخذ بعين الاعتبار في عملية التخطيط والتطوير الشاملة على المستوى الإستراتيجي للمدن كافة.
ومن الضروري ألاّ نغفل عن أهميّة التوسّع الجغرافي للمراكز الثقافية ليس على مستوى المملكة فحسب، وإنما على مستوى المدينة الواحدة كذلك، لتصبح قريبة من الأحياء السكنيّة، ومتصلة بشكل وثيق مع السكّان المحليين، وفق آلية تنافسيّة فيما بين المراكز، لنضمن استمرار تطويرها وتحسين أدائها، مع تخصيص جائزة سنويّة لأفضل مركز ثقافي على مستوى كل مدينة.
وبهدف تقليل النفقات وتكامل الجهود، بالإمكان دمج جمعيّات الثقافة والفنون مع الأندية الأدبية، ليشكلان سويًا المركز الثقافي المحلي بمفهومه الأشمل، الذي سيكون بمقدوره المضي بخطوات واثقة نحو تحقيق المستهدفات الثقافيّة التي نسعى إليها، في إطار ما يشهده الوطن من حراك في شتى المجالات، إذ إن التحوّل الثقافي الإيجابي من شأنه أيضًا أن يسهم في تحقيق أثر غير مباشر على جوانب اقتصادية واجتماعية وسياحيّة، فضلاً عن الدور الرئيس في ترسيخ الهوية الوطنية، والاحتفاء بالفن والثقافة، وتقديمهما للمجتمع على الوجه الأمثل واللائق بهما.