ياسر صالح البهيجان
عندما تستقل مترو لندن ستجد معظم الركاب من حولك يقرؤون كتبًا اصطحبوها معهم للاستفادة من زمن التنقل وصولاً إلى وجهاتهم المختلفة، والحال كذلك ستجده في مترو طوكيو، لكن ماذا عن مجتمعنا عندما تتوفر له وسائل النقل العام، كما في حال متروالرياض الذي أوشك على الانتهاء؟.
ترسيخ مبدأ القراءة ليس بالأمر الهين، إذ يتطلب تغييرًا جذريًا في سلوك أفراد المجتمع، وهو ما يجعلنا أمام ضرورة إطلاق مشروع وطني يستهدف رفع نسبة السكان القارئين، ولا شك أنه تحدٍ عسير في ظل هيمنة الأجهزة الذكية، وإغراءات التواصل السريع عبر الشبكات الاجتماعية، لكن الطريق المحفوف بالصعوبات جدير بأن نخوض غماره، نظرًا لحجم الإيجابيات المعرفية الناتجة عن عملية القراءة، وما تحدثه من أثر في الوعي المجتمعي.
بعض مشاريع النقل العام حول العالم توفر مكتبات صغيرة داخل قطاراتها المتنقلة، وبعضها الآخر يقدم خصومات على تذاكر الصعود لمن اعتادوا القراءة أثناء التنقل، ولن نعدم الأفكار والطرق الإبداعية في تحفيز السكان على ممارسة القراءة كسلوك، متى ما منحنا هذا الموضوع الأولوية التي يستحقها.
علينا أن ندرس ونخطط لتحقيق أعظم استفادة من مشاريع النقل العام، ليس على مستوى مساهمتها في تخفيف الازدحام المروري فحسب، وإنما نشمل في رؤيتنا الجوانب الثقافية والاجتماعية والبيئية والترفيهية والمعرفية، إذ إن الدراسات المتخصصة أثبتت بأن النقل العام من شأنه أن يحدث تغييرًا ملموسًا على مستوى الاتجاهات والرغبات والتفضيلات، وبه تتغير أنماط الحياة، والطريقة التي يعتاد المجتمع قضاء يومه على نسقها.
ونحن بصدد مشروع قراءة وطني، من المهم الإشارة إلى دور التعليم المدرسي في غرس الشغف القرائي لدى النشء، وحثهم على اتخاذ القراءة كوسيلة للتسلية والمتعة والمعرفة، من خلال اقتراح العناوين المشوقة والمتناسبة مع فئاتهم العمرية، وإن أردنا الذهاب إلى ما هو أعمق، يمكن للمعلم معرفة اهتمامات كل طالب، ومساعدته على انتقاء الكتب المتوافقة مع شخصيته، لنجعل من فعل القراءة أمرًا محببًا للنفس ومقبولاً لديها.
ولتوفير بيئة محفزة على القراءة بإمكان وزارة الثقافة إطلاق منصة مخصصة للقراء في وسائل النقل العام، يلتقون من خلالها للحديث عن تجاربهم، وإبراز مدى استفادتهم من تلك الدقائق التي قضوها في رحلة مع الكتاب، ليتسع ذلك المجتمع القارئ، ويكبر شيئًا فشيئًا حتى تتحول القراءة إلى منهج حياة ونمط متأصل لدى عموم السكان.
وعند الحديث عن القراءة فإننا لا نحصرها بالكتب المطبوعة، فهناك ملايين النسخ الإلكترونية القابلة للقراءة من خلال الأجهزة اللوحية، أو حتى الهواتف الذكية، فضلاً عن الكتب الصوتية المنتشرة حديثًا، فما يهم هو معرفة محتوى الكتب بأي نمط كان، والاطلاع على ما تتضمنه من معلومات جديرة بأن تثري الفرد، وتسهم في رفع مستوى وعيه وثقافته.