فهد الضويحي
لافتة: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -غفر الله له-: «العبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات». دأبت الشريعة الغراء على المقابلة في الأوامر والنواهي.. الحسنة والسيئة، الترغيب والترهيب، الجنة والنار، المكافأة والحرمان، العطاء والمنع.
التحفيز المستمر والتشجيع المتواصل عند كل أمر، والتحذير الشديد والنهي المستمر عند كل نهي، ذلك أن الخالق سبحانه وتعالى يعلم طبائع الخلق عند الإقدام والإحجام والفعل والترك، والنشاط والفتور.
شهر رمضان المبارك يطل في كل عام مرة، ولكن في كل مرة يأتي والنفوس المؤمنة متيقظة ولديها صحوة متحفزة وهي تسأل المولى عز وجل الظفر بكل ما فيه من عمل صالح.
وليلة القدر جاءت ثم استقرت في آخر الشهر الفاضل ولم تك في أوله ووسطه، حكمة ربانية لعلها إشارة إلى العامل في الصبر والتصبر على العمل حتى نهاية الشوط.
وفي بعض السباقات الكبرى تحتاج (بنات الريح) إلى السّوط! قال سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -غفر الله له-: (وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال عليه الصلاة والسلام: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر. وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائمًا، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيمانًا واحتسابًا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها). من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من مندوب صحيفة (الجزيرة) بالطائف بتاريخ 24-9-1407هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 15/ 425).
وهذه الليلة الفاضلة لها من الفضائل التي تحرك الضمائر وتستثير القلوب:
- أُنزِلَ فيها القُرآنُ: قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.
- يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ: قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} ففي تلك الليلةِ يُقَدِّرُ اللهُ سبحانه مقاديرَ الخلائِقِ على مدارِ العامِ، ويُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والنَّاجون والهالكونَ، والسُّعداءُ والأشقياءُ، والعزيزُ والذَّليلُ، وكلُّ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى في السَّنةِ المُقبلةِ، يُكتَبُ في ليلةِ القَدرِ هذه. - أنَّها ليلةٌ مُبارَكة: قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}.
- العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ. وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ.
- ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ: قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.
- ليلةُ القَدرِ سَلامٌ: قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
ليلة القدر في العشر الأواخر وأرجاها ليالي الوتر، وأرجى الوتر ليلة السابع والعشرين، وهي ليلة لا ينشغل عنها أحدٌ بغير واجب إلا مغبون محروم. كما أفضل الأعمال في ليلة القدر وليالي العشر (الصلاة والقرآن والدعاء) وأفضل الأحوال جمع الثلاثة بإطالة القيام بالقرآن وإطالة السجود بالدعاء.
أجل.. ليلة القدر (فرح الختام) للمؤمنين الصائمين والمؤمنات الصائمات الذين صاموا إيماناً واحتساباً.
هنا تنويه: يحرص بعض الفضلاء على إظهار ليلة القدر في رسائل الواتس وتويتر عبر رؤى وخبر الثقات، والله جل وعز أخفاها عن خلقه لحكمة بالغة ولو شاء سبحانه أن يظهرها ابتداءً لفعل وهو يفعل لا مبدل لكلماته، فهل من الحكمة أن نظهر ما أراد الله إخفاءه؟!
الرؤى ثابتة لا شك (إنّي أَرَى رُؤياكُم قد تَواطأَتْ في السبعِ الأواخرِ، فمنْ كان متحرّيهَا فليتحرّها في السبعِ الأواخرِ) ولكن نجد أنفسنا بعد ذلك من حيث لا نشعر بأننا حفزنا الناس في (ليلة واحدة) ثم قَلَّلَنا عزيمتهم في قيام الليالي الفاضلات الباقيات! هل في هذا حكمة؟!
أيها الصائمون.. تلك ساعة الجمعة في آخر اليوم، وهذه ليلة القدر في آخر الشهر! من أحسن فهذا من توفيق الله ويسأله المزيد والشكر والثبات ويحرص على فتح أبواب الخير للناس، والذي أساء وفرط فهذا من تزيين نفسه والشيطان وأمور أُخر فيسأل ربه الرحمن المغفرة والتصحيح والعودة، ويحذر من أن يفتح أبواب الشر على الناس ويصدهم عن ذكر الله خاصة في الأزمنة الفاضلة، وإنَّما الأعمالُ بالخواتيمِ. ثم نحرص دائماً على القليل المستمر فهو خير من الكثير من المنقطع.
الله نسأل كما تفضل علينا وبلغنا أول شهرنا الفاضل هذا ونحن في أحسن حال، نسأله يبلغنا آخره ويبلغنا فيه وفي غيره كل عمل صالح ويقضي حاجات أنفسنا وأهلنا وذرياتنا وأوطاننا وأمتنا في أمور الدنيا والآخرة ونحن في أحسن حال.