د.سماح ضاوي العصيمي
في باكورة ثلاثينيات القرن الماضي بدأت تتخلق مدينة خارقة جنوب خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية بتلاقح مباشر مع خريجي هندسة معهد ستانفورد العريق ودعم حكومي لا محدود؛ لإيجاد بنية تحتية قوية ومتطورة، تولد عن ذلك بروز شخصيات نابغة وعبقرية وأيقونات تقنية وأقطاب اقتصادية وإمبراطوريات تكنولوجية؛ منتجًا في المجمل وثبة اقتصادية وعسكرية (خاصة في العسكرة التقنية للفضاء) للولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى أن منطقة السيليكون الأمريكية هي منصة مُستدامة في إطلاق الأفكار من بوابة عمالقة التكنولوجيا العالمية مثل فيسبوك وجوجل ومايكروسوفت، ومراكز أبحاث جادة في جمع وجذب المواهب والأفكار الابتكارية حول العالم والمثقفين بثقافة تقديم الأولويات المهنية على التفاصيل الشخصية.
فانتقلت المجتمعات من عالم تقليدي إلى عالم تقني ذي ثقافة عالمية تلعب شركات التقنية دورًا مهمًا في تشكيل ملامحها، وبأفكار أثرت إيجابًا على واقع وسلوك الشعوب وانفتاحها ونظرتها نحو الآخر وتعاطيها مع الأمور الطبيعية والتوعوية والإنسانية والاقتصادية والإعلامية وتفاعلاتها المختلفة، وحتى في كيفية ممارسة المجتمعات لأدق الأمور الحياتية ، وكما لها من آثار فإن لها مآثر وانعكاسات امتدت بتناغم إلى مجالات مختلفة مُخلفة مآسي واختلالات وانقسامات فكرية حادة تستجد بمستجدات عالمية ورغبات وفق استراتيجيات محددة وبأدوات ثقافية وفكرية وإعلامية أرهقت دولاً كثيرة ماديًا واجتماعيًا وثقافيًا.
وبما أن السعودية حجر زاوية اقتصادي وثقافي واستراتيجي في الساحة العالمية، وأنها ليست مستثناة بما يدور من تغيرات متسارعة وتحولات متلاحقة، فقد قرأت القيادة الحكيمة المشهد واستشرفت مستقبله مبكرًا فركزت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود عام 2018 إلى الولايات المتحدة الأمريكية على محطات تقنية مهمة وإدارات تكنولوجية بوادي السيليكون، وتوقيع اتفاقيات لتوطين الاقتصاد الرقمي وتطوير الخبرات والأفكار وتأسيس بيئة جاذبة للتصنيع والبيع والتشغيل التكنولوجي، وخرائط عمل تقنية حملت دلالات لشعب طموحه (فوق هام السحب) وإصرار غير مسبوق يحمل أفكارًا تلمع برهان الإبداع وبالاتكاء على ثقافة ضاربة في التاريخ وإرث إنساني عميق.
** **
- محاضرة بجامعة طيبة