عبد الله سليمان الطليان
سوف نلقي الضوء على كتاب قيِّم عنوانه (مت فارغًا) لكاتبه تود هنري، يعطي دروسًا في معنى العطاء الذي يعبِّر بحق عن قيمة الإنسان حتى ولو بعد وفاته، وإن كانت هذه الدروس تعكس واقعًا غربيًا، إلا أنها ترشد بعمق إلى التعامل مع هذا العطاء والذي حُصر في جانب العمل دون تحديد نوعية هذا العمل.
بداية، يذكر الكاتب في أنه كان هناك فنانة ومصممة ومهندسة تخطيط عمراني اسمها كاندي شانج، قامت في عام 2011 بتحويل منزلها المهجور الذي تقطنه إلى عمل فني نابض بالحياة. لقد فقدت شخصًا عزيزًا عليها وتأملت حينها في معنى الحياة وفي ما يهمها حقًا، ودفعها الفضول إلى أن تكتشف إن كانت لدى الآخرين أفكار مماثلة عن العيش تعبِّر عن دوافعهم في الحياة، فقامت بتدشين سبورة ضخمة على امتداد طول أحد جوانب المنزل المهجور وعرضه، ثم كتبت بعدها تلك الكلمات على أعلى الحائط، وتركت عشرات المساحات الفارغة إلى جانب الكلمات التالية (قبل أن أموت، أريد أن.......) في صفوف متراصة إلى جانب بعضها بعضًا على امتداد سطح الحائط، ثم ركنت إلى جانبها الطبشور اللازم لملء الفراغات وترقبت لتنظر ما الذي يمكن أن يحدث، هل سيشارك الناس؟ هل سيتم تخريبها؟ هل سيلاحظها أي شخص من الأساس؟
ولم يدم تساؤلها لفترة طويلة، فقد كان لهذا النصب وقع فوري في النفوس، إذ ملأه أهل الحي والمارة بآمالهم وأحلامهم وطموحاتهم. وكانت بعض المساهمات غير شخصية في واقع الأمر، بينما كانت أخرى شخصية للغاية:
(قبل أن أموت أريد أن... أغني لملايين الأشخاص).
( قبل أن أموت أريد أن... أؤلف كتابًا).
( قبل أن أموت أريد أن... أفهم).
( قبل أن أموت أريد أن... أخبر أمي أني أحبها).
سرعان ما انتشر الحديث، وبدا الكثيرون يظهرون من كل أرجاء المنطقة ليكتبوا أحلامهم وطموحاتهم الإبداعية على الحائط. ولم يمض وقت طويل قبل أن يطلب آخرون تدشين سبورات أخرى في أحيائهم السكنية. وفي الوقت الحالي يوجد أكثر من مئة نصب بعنوان (قبل أن أموت....) في مدن شتى أنحاء العالم، وطورت شانج والمجموعة المتعاونة معها حقيبة أدوات فيها تعاليم تفصيلية لنشر هذه الحركة الاجتماعية.
لماذا لم يصعد نجم مشروع شانج سريعاً ويحظى بتغطية واسعة من وسائل الإعلام العالمية؟ يعتقد الكاتب إلى أن ذلك يعود إلى أن الحائط (قبل أن أموت....) أصبح له صدى داخلنا بما نعرفه ونخشى أن يصبح حقيقة: لدينا مقدار محدد ومحدود من الوقت المتاح لنا،، ومن المهم جدًا أن نختار الكيفية التي سنقضي بها أيامنا،، إننا نعي أيضاً أن هناك أشياء نود أن نفعلها وتجارب نرغب في خوضها قبل الوفاة، وكثيراً منها رغبات كبحناها أشهرًا أو سنوات. إننا نشعر بدقات الساعة، والشعور الذي لا يفارقنا بأننا قد نفوت فرصتنا للإسهام في هذا العالم. ومع ذلك عادة ما نتجاهل هذه الدوافع نتيجة للوتيرة العملية السريعة للحياة والعمل.
تجنب حقيقة أن أيامك معدودة وأن الموت يحوم من حولك، هناك أشخاص يملؤون حياتهم بنشاط يقفزون من مهمة إلى أخرى، ومهما كان مدى نجاحهم في أداء عملهم يظل لديهم تساؤل مع نهاية اليوم (هل للعمل الذي أديته اليوم أهمية حقًا؟)، لقد قابلت ناسًا آخرين ناجحين إلى حد غير معقول في عملهم ومخولين لهذا العمل ويتلقون مقابلاً ماديًا كبيرًا، ومع مرور الوقت وقعوا في حالة من الركود: إنهم يشعرون أن في داخلهم المزيد ليقدموه، ولكنهم يعجزون عن تحديد السبب الذي يخالجهم شعور بأنهم قادرون على الإسهام بالمزيد أو حتى أن يكونوا لامعين حقًا في فعل شيء ما لكن لا يملكون خارطة طريق لإماطة اللثام عن ماهية هذا الإسهام.
هذا يطرح تساؤلاً: كيف تعطي دفعة لسلسلة من الإجراءات التي من شأنها إطلاق العنان لأفضل أعمالك وأكثرها قيمة وأنت ما زلت قادرًا فعل ذلك؟ أن التفكير لديك الذي يقوم على إنجاز أعمالك في قبل موعدها النهائي ومطاردة ترقيتك التالية. فمن السهل أن تتشتت وتستيقظ لاحقًا بعد سنوات عدة في أرض غريبة وأنت تسأل نفسك (من أنا، وكيف وصلت إلى هنا وكيف يتسنى لي الرجوع؟)
إن الطريقة الوحيدة لتلافي هذا المشهد الخيالي هي ألا تتوقف عن إضافة ممارسات إلى حياتك تبقيك على مسار حقيقي وثابت، فأوقية من الانضباط الاحترازي اليوم تعادل رطلاً من الإجراءات التصحيحية مستقبلاً. وهذا ما سنعرض عليك هنا حول استثمار العقلية والأساليب التي تحتاج إليها لإطلاق جماح أفضل ما لديك كل يوم، وأيضًا لزيادة فرص عدم ندمك في نهاية مطاف حياتك حول الكيفية التي أمضيت بها أيامك.