خالد بن حمد المالك
يبني الإنسان دولاً ومدناً وصروحاً من المنشآت، فيها الشيء الكثير من الجهد والعمل، وقد أنفق عليها من المال ما لا عدَّ له ولا حصر، ليعيش الإنسان سنوات حياته باستمتاع وراحة وشعور بالانتشاء الذي لا يغيب.
* *
يخطط للمستقبل، وللدولة الآمنة لمن يعيش داخل حدودها، حيث الطرق والخدمات، والبنية التحتية المتكاملة، ومشروعات التعليم والصحة، وما إلى ذلك مما تتطلبه حياة الإنسان ليكون سعيداً ومرتاحاً، دون أن يشعر بالملل والضيق.
* *
يقوده حبه للحياة، وشغفه بما توفره له من متطلبات، فينسى أنه أمام مستقبل غامض، وبين تحديات قاهرة، ويغيب عنه أن كل ما بناه وأشاده وخطط له، معرض في لحظة من الزمان لتحويله إلى أنقاض، وكأنه لم يكن، فلا يبقى منه إلا الحجارة والتراب، وشيء مما خلفته الحروب والنزاعات.
* *
لا يكفي الحزن، ولا الدموع، أمام المآسي الإنسانية التي كانت جزءا من معركة خاسرة بين الأطراف المتخاصمة، دون وجود ما يمكن أن يوقفها، أو يمرر الحلول المعقولة للقبول بها، بديلاً عن الاستنزاف في المال والبشر، دون أن يكون هناك من فرصة للخروج من ساحة القتال برصيد من المكاسب، وقليل من الخسائر.
* *
أراقب وأتابع الحرب الروسية - الأوكرانية، وأصاب بالذهول أمام المشهد الدامي الذي أمامي، وهذه المدن الأوكرانية التي تحولت إلى دمار شامل، وهؤلاء المشردون والجرحى والقتلى، فلا أجد غير الشعور بالألم والأسى على ما آلت إليه الحرب، ويكبر حزني كلما تأكد لي أن هناك المزيد من الخسائر قادمة.
* *
روسيا وأوكرانيا، والعالم بدوله جميعهم -في ميزان قراءة النتائج - هم بلا استثناء في الكفة الخاسرة، ولا يوجد من يدعي بأنه قد استفاد من المعركة بقدر خسارة غيره منها، فالعالم يعيش حالة من نتائج التمزق الذي يحيط به من كل جانب، ومن الخلافات التي تشجع على تنامي الأضرار البالغة التي يمر بها.
* *
لقد احتاجت أوكرانيا إلى قرون لتكون كما هي قبل الحرب، لكنها بهذه الحرب وفي أيام معدودة أنهت كل ما بني على مدى قرون، فكم تحتاج هذه الدولة من وقت لتعيد ما دمرته الحرب، وكم تحتاج من المال لبناء ما أصبح من الماضي، ومن الذكريات المؤلمة التي لن يخفيها تقادم الزمن.
* *
إنها مأساة بحق، إنها جريمة الإنسان ضد أخيه الإنسان بصرف النظر عن قوميته ودينه، جريمة لا تغتفر، أياً كان مصدرها وممولها والمشجع عليها، ومن له أطماع في نتائجها، فلا بأس أن نندد بها، وأن نكره كل حرب تقود إلى ما آلت إليه هذه الحرب، وأن ننزع تعاطفنا من أي قتال يدمر الإنسان وما بناه بسواعده وماله وجهده.
* *
هنا نحن لسنا بموقف المدافع عن أي طرف، أو المتعاطف مع أي من الجانبين، نحن مع الحياد الإيجابي، مع إطفاء لهيب المعركة الدامية، وخلق جو من التسامح يسمح بالتفاهم، ويقود إلى إنهاء القتال، وحل المشكلات العالقة، ونأي الدول والأطراف الأخرى عن التدخل إلا بما يساعد على إنهاء هذه الحرب.
* *
قد تمتد الحرب الروسية - الأوكرانية شهوراً، وقد تدخل أطراف أخرى في أتونها، وهنا فلا يستبعد أن تكون الأمم أمام حرب عالمية ثالثة، فالرئيس الروسي هدد باستخدام النووي، وهدد بتوسيع رقعة الحرب إذا ما فكرت دول أخرى على حدود روسيا بالانضمام لحلف الناتو، وأن عليها أن تواجه وتتحمل ما لا يخطر على بال مسؤوليها من نتائج.
* *
التصعيد في اللغة الإعلامية، والممارسات السياسية، في التعاطي مع هذه الحرب لا يخدم إيجاد تسوية لها ولا ينهيها، وإنما يزيد من اشتعالها، ويدخل أخطر الأسلحة المدمرة ضمن التصعيد لاستمرارها، ما يعني أهمية التعامل بتعقل وحكمة وروية مع كل استفزاز، لكي لا ينجر أي طرف إلى معركة سيكون الجميع في وضع الخاسر والمتضرر منها.