خالد بن حمد المالك
منذ فجَّر سعد الحريري قنبلته بعدم الترشّح للانتخابات النيابية، وعدم السماح لأي مرشح بدخول الانتخابات باسم تيار المستقبل، وما تلا ذلك من تسابق بين رؤساء الحكومات السابقين في عزوفهم عن دخول معترك الانتخابات، فُسِّر ذلك - كما فُهم - على أنه انسحاب من العمل السياسي، ومنذ ذلك الحين والكلام الذي بدأ ولن ينتهي إلا مع انتهاء الانتخابات، وظهور نتائجها بدون حصول المذهب السني على المقاعد المعتادة المؤثّرة في مستقبل لبنان، واللبنانيون يتساءلون عن هذا التوجه السني الذي سوف يعطي المذهب الشيعي المزيد من فرص التحكم بالقرارات المفصلية في لبنان.
* *
يعرف اللبنانيون أن حزب الله يحكم منذ زمن طويل السيطرة على السياسة اللبنانية في الداخل والخارج بقوة السلاح، وبالأصوات النيابية التي تشكّل بتحالفه مع كل من حزب (أمل) الشيعي وحزب التيار الوطني الحر (المسيحي)، لكن انسحاب السنة من سباق الفوز بمقاعد في مجلس النواب سوف يزيد من هيمنة حزب الله، وسيطرته على السياسة اللبنانية، وإخضاع هذه السياسة إلى ما يلبي مصالح إيران في لبنان، ويزيدها امتدادًا في المنطقة، بسبب غياب الصوت السني الذي يتحمَّل سعد الحريري بمواقفه مسؤولية إيصال لبنان في جزء منه إلى ما وصل إليه.
* *
صحيح أن سعد الحريري برئاسته لتيار المستقبل، ورئاسته لمجلس الوزراء لم يكن مؤثرًا في تصحيح اعوجاج التوجهات اللبنانية، وخاصة خلال فترة الرئيس ميشيل عون الذي سلَّم مصالح لبنان واللبنانيين ليد حزب الله، وقَبِلَ أن يكون لهذا الحزب اليد الطولى في إدارة وتوجيه دفة الحكم في البلاد، بتلبيته رغبات وطلبات حسن نصر الله، وقبوله بالتدخل الإيراني على حساب مصلحة ومستقبل لبنان، ولكن عدم دخول اللبنانيين السنة في انتخابات الدورة الحالية، خاصة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان، ربما يحدث مزيدًا من هيمنة حزب الله وحلفائه، وبالتالي ذهاب لبنان إلى المجهول، أو إلى جهنم كما يرى الرئيس عون الذي قَبِلَ بذلك، وتم تحقيقه على يديه.
* *
إن غياب السنة بكامل أصواتهم أو بعضها، إنما يصب ذلك في مصلحة حزب الله، الذي سيملأ الفراغ السني سواء من ذوي المذهب الشيعي، أو من ذوي المذهب السني الذين سوف يتحالفون مع حزب الله لمصالح ذاتية وشخصية، وفي هذا خطورة على مستقبل لبنان، وتهميش للسنة في المشاركة في الحفاظ على مصالح لبنان، ومنح حزب الله وحلفائه فرصًا للعبث بالمصالح اللبنانية، وجرّه ليكون تابعاً لإيران، وتكريس بيروت بوصفها إحدى العواصم الإيرانية كما يصرِّح بذلك الإيرانيون دون أي رفض أو اعتراض أو احتجاج من الرئاسة اللبنانية ومن مجلس النواب ومجلس الوزراء.
* *
وما نخاف عليه، أن تظهر النتائج وقد كرّست السيطرة لصالح حزب الله، وبالتالي لصالح إيران بفعل غياب الأصوات التي كانت تشكِّل حجر عثرة ضد جر لبنان إلى الابتعاد عن محيطه العربي، والاتجاه نحو إيران، الذي لا يقدّم للبنان سوى الأسلحة لحزب الله ليكون في وضع أفضل عسكرياً من حيث القوة مقارنة بالجيش اللبناني، وهو ما يجري الآن، ويستمر في التنامي، مع صمت من اللبنانيين لعدم قدرتهم على مواجهة قوة عسكرية ضاربة خارج السيطرة اللبنانية الرسمية، ما جعل الجيش والرئاسات الثلاث تقبل بذلك سواء برضاها أو لعدم القدرة على مواجهاتها.
* *
وكل ما نتمناه أن تكون نتائج الانتخابات التي ستُجرى خلال الخامس عشر من هذا الشهر، ملبية لمصالح اللبنانيين، وأن تكون توقعاتنا وتخوفاتنا في غير محلها، بتوزّع أصوات اللبنانيين الفائزين بين كل الفئات، وتحديداً ممن لم يشوّه الفساد والخيانات سمعتهم، بمعنى أن تذهب للمخلصين، ومحبي لبنان، الحريصين على مصالحه، الجادين في منع أي نفوذ أجنبي في توجيه سياساته، وأعني بذلك النفوذ الإيراني، الذي كشف عن وجهه القبيح من خلال ما يعبِّر عنه أمين حزب الله حسن نصر الله في كلماته من حين لآخر.